• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | أسرة   تربية   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    تحليل محتوى المواقع الإلكترونية لحوادث انتشار ...
    عباس سبتي
  •  
    طلب طلاق وشكوى عجيبة
    الداعية عبدالعزيز بن صالح الكنهل
  •  
    المحطة العاشرة: مقومات الإيجابية
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    أنماط التعليم الإلكتروني من حيث التدرج في ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    وصية امرأة لابنتها في زفافها
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    المحطة التاسعة: العادات
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    الشباب بين الطموح والواقع: كيف يواجه الجيل الجديد ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    هبة فيها النجاة!
    أ. رضا الجنيدي
  •  
    بركة الزوج الصالح على الزوجة في رفع درجتها في ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    تربية الأطفال في ضوء توجيهات سورة الحجرات
    محمد عباس محمد عرابي
  •  
    السلاسل الحقيقية لا ترى!
    أمين محمد عبدالرحمن
  •  
    تطوير العلاقات الإنسانية في الإسلام
    يوسف بن طه السعيد
  •  
    المحطة الثامنة: القرارات
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    التربية بالقدوة: النبي صلى الله عليه السلام
    محمد أبو عطية
  •  
    مهن في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم
    نجاح عبدالقادر سرور
  •  
    تزكية النفس: مفهومها ووسائلها في ضوء الكتاب ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
شبكة الألوكة / حضارة الكلمة / أدبنا / دراسات ومقالات نقدية وحوارات أدبية
علامة باركود

رسالة الشعر عند إسماعيل زويريق من خلال ديوان "على النهج"

د. محمد ويلالي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 6/9/2008 ميلادي - 5/9/1429 هجري

الزيارات: 19932

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر
كثيرًا ما غُمِزَ شعر القضايا الإسلاميَّة بأنَّه شِعر فِقهي وديني، تنحصرُ مُهمَّتُه في الدَّعوة إلى الله، والوعظ والإرشاد، وهو بذلكَ خارجٌ عن حقيقة الشِّعر التي تدغدغ الوجدان، وتُخَاطب المَخْبوء في النَّفس البَشريَّة، وتُعَبِّر عما لا تستطيع المَحْسوسات أن تَسْتَجْلِيَ حقيقته، وتكتشف أسراره؛ لِمَا انْطَوَتْ عليه مِن مُلاَمَسَة الخيال، وتَحْريك العَوَاطف.

ولم يزلِ البحث في مفهوم الشِّعر مُعترك الأنظار، فقد تداخلتْ آراء النُّقَّاد القُدامى والمُحدثينَ في بيان حقيقته، وتحديد عناصر الجمال فيه، ومعايير الحكم عليه بالجَودَة أو الرَّدَاءَة.

ولم يَكُنِ النُّقَّاد القُدامى - في مُعظمهم - يَلتَفِتُونَ إلى وظائف الشِّعر الحقيقيَّة، التي بها نَحْكُم عليه بالجَوْدة وعدمها، فلم يكونوا يَهْتَمُّونَ بالمَضَامينِ إلاَّ أن تكونَ مَعانيها مُسْتقيمة في ذاتِها؛ سواء دَلَّتْ على خير، أم على شر، بينما وقع التَّركيز على الجانب الفني المُتَمَثِّل في الصِّياغة، والأسلوب، والألفاظ، والطَّبع، والقَرِيحة، والفَصَاحة، وهي صفات لا تخص قومًا دون قوم، ولا يَتَّصفُ بها دهر دون دهر؛ بل هيَ مواهب مَقْسُومةٌ بين البَشَر في كل زمان، وإذا كان الأمر كذلكَ، فلا بُدَّ من عنصرٍ آخر يُحَقِّق الهدف الأسمى للشِّعر، وبه يكتمل الحكم عليه.

وقد فطن إلى ذلكَ ناقدٌ مغربيٌّ ضليعٌ، هو "ابن البناء العددي المراكشي"، الذي جعل القرائن التي يُستدلُّ بها على المقاصِد راجعة إلى العُرف، والإنصاف، والدِّين، ويحشد في كتابه: "الروض المريع"، الشَّواهدَ العديدةَ ذات الأبعاد الخُلقيَّة؛ لِيَجْعلها نماذج للشِّعر الجيد.

فمنهم من حكَّم المعيار الزَّمَني، فجعل الجودَة للمُتَقدم في الوُجود، والسابق إلى تَفْتيق المعاني، وابتكار الأساليب، والتَّأَنُّق في التَّصوير، وانصرفَ إلى تفضيل الجاهِليينَ، لا لشيء إلاَّ لتَقَدُّمهم في الوِلادة، ولو تَأَخّروا لم يكن لهم شَرَف، ولا تَمَيَّزُوا بِفَضل، أو وُسِمُوا بمدحة، وأكثر مَن نحا هذا النَّحو اللُّغَويُّون، "الذين جمعوا مادة الشعر القديم، وقد أشاعوا بينهم تلك العَقيدة، التي ثَبَّتتْ في الأذهان تَفَوُّقَ الشِّعر الجاهلي، وأنَّه مَثَل أعلى"[1].

فهذا أبو عمرو بن العلاء، كان يرى شعر "جرير" و"الفَرَزْدق" مُوَلَّدًا، "وكان لا يَعُدُّ الشِّعر إلاَّ ما كان للمُتقدمينَ.. قال "الأصمعي": جلستُ إليه عشر حجج، فما سَمِعْتُه يحتج بِبَيْت إسلامي"[2].

وبإزاء المعيار الزمني، نقف على معيار آخر لا يقل خطرًا عن سابِقه، وهو تَحَكُّم الذَّوق في اختيار الشعر، والاقتصار عليه في الحكم؛ لذلكَ اختلف القُدَامى في اختيار أشعر الشُّعراء اخْتِلافًا شَنِيعًا، حتى قال "ابن رشيق" في ذلك: "هذا يدلك على اختلاف الأهواء، وقِلَّة الاتِّفاق"[3].

غير أنَّ الذَّوق إذا كان تابعًا لِمَقاصد الشَّرع، أُخذ في الاعتبار، وصَحَّ الاحتجاج به، والتَّقديم بِسَببه؛ لأنَّه آنذاك لم يَخْضعْ لِلأهواء، ولم تَتَحَكَّمْ فيه العوامل الخارجيَّة، أوِ الميولات الذَّاتيَّة، أوِ العصبيَّة الإقليميَّة، أوِ النزوعات اللُّغويَّة، "فالذَّوق الجدير بالاعتبار، هو ذوق العالم، الذي اسْتَطاع أن يكبحَ جِماح هواه الخاص، الخبير بِالأدب الذي رَاضَه ومارَسه"[4].

وقديمًا قال البوصيري (بسيط):
وَخَالِفِ النَّفْسَ والشَّيْطَانَ وَاعْصِهِمَا        وَإِنْ  هُمَا  مَحَّضَاكَ  النُّصْحَ  فَاتَّهِمِ
ولاَ تُطِعْ منهُمَا خَصْمًا  ولاَ  حَكَمًا        فَأَنْتَ تَعْلَمُ كَيْدَ الخَصْمِ والحَكَمِ
[5]
 
فالحكم الحقيقي على الشِّعر، لا يُلقَى به في مهامه الأذواق، ومفاوز الطِّباع؛ لأنَّ هذه الطباع، وتلك الأذواق "قد تَدَاخَلَها منَ الاختلال والفَسَاد، أضعافُ ما تداخلَ الألسنةَ منَ اللَّحن، فهي تستجيد الغَثَّ، وتستغث الجَيِّد منَ الكلام"[6].

ومنَ النُّقَّاد مَن راعى الكَم الشِّعري في تحديد مِعيار جَوْدة الشِّعر، وقد بنى ابن سَلاَّم "طَبَقاته" على هذا المعيار، فحينما يجعل أربعة فُحُول منَ الشُّعراء في الطَّبقة الرابعة، يقول: "وإنَّما أخل بهم قِلَّة شعرهم بأيدي الشُّعراء"[7]، مع أنه يعترف بأن هذه القِلَّة قد يكون مصدرها ضياعَ الشِّعر أو إِتْلافه، لا أنَّ الشاعر مُقِل في ذاتِه.

وعلى هذا المذهب، وَجَبَ على الشاعر أن يرتقيَ الجد، ويقتحم الهزل، وأن يخوضَ في كلِّ غَرَض، بما في ذلك وَصْف الخُمُور، وليالي المُجُون، وأنواعُ الغَزَل بالمُؤَنَّث والمذكر، فإنه متى كان كذلكَ حكمَ له بالتَّقَدُّم، وحاز قصب السَّبق؛ كما قال ابن رشيق[8]، مما لا نكاد معه نَعْثُر على شاعرٍ واحد أَجَادَ في هذه الضُّروب كلها؛ بل إنَّ "أبا نواس" الذي جعلَه "ابن رشيق" مِثالاً على مَذْهبه، اشْتَهَر بالخَمْريَّات، وطغى جانبها على الأغراضِ الأخرى، كما اشتهرَ "ابنُ الرُّومي" بِالهِجَاء، و"المُتَنَبِّي" بالأمثال؛ بل إنَّ الأقدمينَ لَمَّا أَرَادُوا اختبار أشعر الشُّعراء، قالوا: "كفاكَ منَ الشِّعر أربعة: زُهير إذا رَغِب، والنَّابغة إذا رهب، والأعشى إذا طَرِب، وعنترة إذا كَلِب، وزاد قوم: وجَرير إذا غضب"[9].

فكان كلُّ شاعرٍ مجيدًا في بابٍ مِن أبواب الشِّعر، مُتَفَوِّقًا في غَرَضٍ مِن أغراضِه.

ومنهم من شَطَّ عنِ الصواب، وازْوَرَّ عن كبد الحق، فأرجع أفضليَّة الشِّعر لِشَرف قائلِه، ورفعة مَنْبته، حتى قال الفرزدق مفتخرًا [وافر]:
وَخَيْرُ  الشِّعْرِ   أَشْرَفُهُ   رِجَالاً        وَشَرُّ الشِّعْرِ مَا قَالَ العَبِيدُ[10]
 
فَلم يَجْعلِ الله الكلامَ الجَيِّد قاصرًا على الشَّريف، ولا جعلَ النَّقص فيه لِلوَضِيع؛ بلِ العِبْرَة بالقول؛ لأنَّ "الشِّعر كلام، حَسَنه حَسَن، وقَبِيحه قبيح"[11]، والحكمة ضالَّة المؤمن، قد يأخذها مِن فَم الشَّريف، كما قد تجري على لسان الخامل الوَضيع.

ومن هذه المعايير المُحَدَّدة لِوَظائف الشِّعر: المعيار الفَنِّي: الذي ينظر إلى الشِّعر من حيثُ جودتُه الفنيَّة، وخصائصه الشَّكليَّة، لا إلى جودة معانِيه، وشرف مقصده، وقد اشتهر قول "قُدَامة بن جعفر": "إنَّ الشاعر ليس يُوصَف بأن يكون صادقًا؛ بل إنَّما يُراد منه إذا أخذ في معنى منَ المعاني - كائنًا ما كان - أن يجيدَه في وقته الحاضِر"[12].

ويقول "عبدالله الغذامي" - منَ المُعَاصِرين -: "ولا شأن للمعنى هنا؛ لأنَّ المعنى هو قُطْب الدَّلالة النَّفعيَّة؛ ولذلك لا بدَّ من عَزْل المعنى وإبعاده عن تَلَقِّي النَّص الأدبي، أو مُنَاقشة الإبداع الأدبي"[13].

وقد غالى أصحاب هذا الاتِّجاه، حتى جعلوا قيمة الشِّعر في جماليته لا غير، وكم تَأَثَّرَ كثيرٌ من نُقَّادنا بآراء الغَرْبيينَ، الذين يَرَونَ في الشِّعر تجسيدًا لِحَياتهم الدنيويَّة المادية، البَعِيدة عن إشراقة الروح، وسبحات النفس المؤمنة بما هو خارج المحسوس، المُتَشَوِّفة إلى أمداء الآخرة، التي لا تحدُّها حدود، ولا تقيدها قُيُود.

وكان من أشهر الدَّاعين إلى فصل الأخلاق عنِ الأدب، والرُّوح عن المادة - الأمريكي "إيدغار آلان بو"، وتَأَثَّر به كِبار الغربيينَ، من أمثال "مالارميه"، "وفاليره"، وكان مِن أكثرهم تأثُّرًا "بودلير"، الذي ما كشف من رمزيته ما كشف إلاَّ لِرَغبته في التَّمَرُّد، ليس على الأخلاق وحسب، وإنما على كل ما هو سائد، متجاوِزًا الأديان، والأعراف، والمُعْتَقَدات، قاطعًا الصلةَ بالتُّراث والماضي، أشكالاً، ومقاييس، ومفهومات.

وَتَلَقَّفَ هذه المواقف بعضُ منِ اشتهر مِن نُقَّادنا العرب، من أمثال: علي أحمد سعيد "أدونيس"، وبدر شاكر السياب، وعبدالوهاب البياتي، وصلاح عبدالصبور وغيرهم، وتَبِعهم بعض إخواننا المَغَاربة ممَّن أسماهم "شارل فيال" بـ"المَرَدَة الثوار"[14].

وقد أدَّى هذا المَذْهب بِأَصْحابه إلى تَجَاوُز المُقَدسات، والروغ على الثَّوابت، واستفزاز مشاعر المُتَدَينينَ في كل الأصقاع، حتى صار هذا التَّمَرُّد صُلب الفن، والعمود الفقري للشعر، الذي لا يستقيم إلاَّ باستحضار ثالوث المشكلات:
"مشكلة الجنس": التي يرونها "مِن أعقد مشكلات الحياة العربيَّة، وأكثرها حضورًا وإلحاحًا"[15]؛ إذِ العالم ليس إلاَّ هوى الروح وجموحها، بحيثُ نَتَمَسَّك بالدنيا لا بالآخرة، بالأرض لا بالسماء[16].
"مشكلة الله": التي يرونها قمة مشكلاتنا، فالله هو الشَّخص، هو الإنسان الذي هنا، لا الله هو مقياس الأشياء"[17]، وما دام الأمر كذلك، فلا بدَّ منَ الخَلاص منَ المُقدَّس والمحرَّم، وإباحة كل شيء لِلْحرية"[18].
"مشكلة التراث والقِيَم": حيثُ ينبغي تحطيم كل ما هو ثابت فيهما وتفجيره، ومن ثَمَّ تجاوزه، و"الثقافة العربيَّة في جَوْهرها ثقافةٌ دينيَّة"[19]، "وكل ثقافةٍ دينيَّة هي بِطَبيعتها دائريَّة، ذِرْوَة التَّقَدُّم فيها هي طَقْس العودة الدائمة إلى الماضي، الحياة في هذه الثقافة ليستْ ممارسة دائمة للمُغامرة؛ بل بقاء في ظِل الحكمة والمَوْعظة"[20].

وحينما يدلفون إلى التُّراث الشِّعري العربي، تجدهم يقتنصون منه كل رَدِيء، وينقبون فيه عن كلِّ سخيف، ليجعلوه قمَّة الإبداع، والأنموذج الذي يجب أن يُحْتَذَى، فأدونيس يجد ملاذه في عَرْبدَة أبي نواس، ومَجانة ابن أبي ربيعة، مُناديًا: "إنَّ الانتهاك هو ما يجذبنا في شعرهما"[21]؛ بل يذهب أبعد من ذلك، حينما يدافع عن مذهب "SATANISME - تمجيد الشيطان"[22]، ويَصْرخ قائلاً: "يَلْزَمُنا أن نُحييَ شِعر الشَّيطان"[23].

ولذلك أفصح "جان ماري جبو" - عالم الجمال - عن مُغَالاة أصحاب هذا الاتجاه حين قال: "إنَّ الفَنَّانين أنفسهم يساهمون اليوم في إنزال قيمة الفن، بما يذهبون إليه مِن جَعْل الفن شكلاً وصناعةً لا أكثر، حتى أصبح الشكل هو الغَرَض الذي ينصرف إليه اهتمامهم، وأصبح الفن يبدو حذقًا ومهارةً، لا نَظَريًّا فحسب؛ بل عمليًّا أيضًا"[24].

وهكذا صارَ أنصار مذهب "الفن للفن" لا يَرَونَ في الشِّعر إلاَّ ذلك الشَّكل الجمالي المتفلت من كلِّ القيود، إلاَّ ما ارتبط بالثَّورة على الماضي، والانقضاض على المُقَدَّسات.

 وبين هذا وذاك ضاعتْ رسالة الشِّعر، وتَلاَشَتْ وظائِفه الأساس.

ولا أُخْفِي إحساسي بالضِّيق، وأنا أُطالِع أشعار شبابنا المَبْثُوثة في بعض المَلاحِق الثقافيَّة، أوِ الصادرة في دواوين صغيرة، أوِ "المَتْلُوَّة" في بعضِ المَحَافل والمُنَاسبات، فأرجع إلى نفسي - في كثيرٍ منَ الأحايين - مأسوفًا خائبًا من هذا الكم الهائل، الذي منه ما لا يمتُّ إلى عالَمِ الشِّعر بِصِلة، وإذا تلمست في بعضِه بوادر شعريَّة، صَدَّك ما اكتنفه من غُمُوض مقصود، وطلسمات مُفْرِطة في التَّعمية، وإذا انْحَسَر شيءٌ منه عن معنى منَ المعاني، وجدته أشباحًا محلقة في عالمٍ أفلاطوني، لا يكاد ينحاش لِوَاقع الأمة، لا تقرؤه أو تسمعه إلاَّ عن سَآمة، ولا يَنتفع بِبَعض فَلتاته إلاَّ مَن رزق الصَّبر على الإدامة، حتى صار أحدنا "يضطر أحيانًا لِنَبْش أكوامٍ منَ القَشِّ لِيَعْثر على حَبَّات القمح"، كما قال الشاعر الفلسطيني "محمود مفلح"[25].

وبين هؤلاءِ وهؤلاءِ، يشعُّ نور أفذاذٍ منَ الشعراء، يبثُّون بِمَوْهبتهم بَوَارق الأمل، ويَبْنُون بِقَرائحهم سرادقات الإبداع الحقيقي، فيفتر شعرهم عن كنوز تحقق الفيئة إلى سلامة الذَّوق، وإغاثة الشعر بِبُلالة الرصين منه، تذكرنا بهذا الماضي التَّليد، الذي غاظَ بعضَ نُقَّادنا أن تربطنا به شفافة بعد صب، ودرّة بعد حلب، من هؤلاء الشعراء "إسماعيل زويريق"، صاحبُ الدَّواوين الشائقة، والأضمومات الرَّائقة، التي أنافَتْ في مجموعها على الثلاثين.

لقد وجدتُ في شعره بَلْسمًا لِجِراح الأمَّة، ومشاركة في قضاياها وهمومها، وربطًا لها بِأُصولها، وتذكيرًا بِثَوابِتها ومُعْتقداتها، مما جعله - في عمومه - نموذجًا للشِّعر الرِّسالي، الذي فَضَّ ما اشْتَجَر من مذاهب الشعراء، واستجلب أنظار مقانب[26] النُّقَّاد، حيث جمع ما بين مقومات الشِّعر الفنيَّة والمضمونيَّة، وبخاصَّة شعره الأخير، الذي أُتي فيه جمال المبنى، وسلامة المعنى، ضمَّنه ديوانًا في جُزْأَين، بِعُنوان "على النَّهج"[27]، لم يقنع أن يودعه أشعارًا مُستَقلَّة، حتى ارتقى فيه مناددة الشُّعراء المصادع، وأرباب البيان المصاقع، وفرسان المعاني اللَّوامع، من أمثال "كعب بن زهير"، و"البُوصيري"، و"ابن النحوي"، الذين طبقت قصائدهم الآفاق، وأصابت منَ الجودة والإبانة عين كل قرطاس.

غير أنَّ شاعرنا "إسماعيل زويريق"، فَضَّل أن يرتقيَ هذا المرتقى الصَّعب، وأن يخوضَ هذا الغِمار الوعر، لا لكي يظهر بِمَظهر المقلد المحتشم، أوِ التلميذ التابع المُتَرَدد، القانع بِالغبار دون المعركة، المُكْتَفِي بالصَّدى دون الجلجلة، وإن أفصح عن تَوَاضعه، في مُسْتهل الجزء الثاني مِن "على النهج" مُصَرحًا: "أنَّ الفضل ليس إلاَّ للمُتَقَدم، وأنِّي لستُ بما أوتيتُ إلاَّ مثل متعلم"[28]؛ ولكن لينشد استقلاليته التي يَتَمَيَّز بها كما قال: "لقد اخترتُ أن أنحوَ ما يُمَكِّن قصائدي من أن تَحْظَى بما يبعدها عن أتْرابها، ويَنْأى بها عن ظلال نَظِيراتِها"[29].

ولا بأس أن أتعجَّلَ النتيجة بين يدي هذه الدراسة؛ لأُؤَكِّد ما نشده الشاعر، مِن أنه حَقَّق فعلاً ذاتيَّا، لم يكنْ ظِلاًّ للبُرْدة ولا لِنَهْجها، ولم يكن نسخة لا لِكَعْب، ولا للبوصيري، لقد كانت لامِيته، وميميته، وهمزيته، بِنَفس حديث، وأسلوبٍ جديدٍ، ومضمونٍ يَمْتَح منَ السيرة، ويغرف مِن أخلاق أشرف البَريَّة؛ لِيَضعه ضمادًا على جِراح الأمة، وغيثًا يستنبت به ما انْدَرَس مِن أمجادها، ومعينًا أخلاقيًّا يُرْوَى به الظَّمِئ في تِيه الشَّهوات، وَفَيافِي المَلَذَّات.

لقدِ استطاع "إسماعيل زويريق" أن يضعَ ديوانه في مركز التَّقاطع بين الماضي والحاضر، الدِّيوان في شَكْله جاء عموديًّا مُخلصًا لِقَواعد الخليل، وفي مَضْمونه تناول نَمَطًا مطروقًا تحت ظلة النَّبَويات، أو شعر المديح النبوي؛ لكنَّه تناوله بِنَفَس جديدٍ، يجعل القصيدة تخاطِب وجداننا، وتستفز مشاعرنا، عَبَر العديد منَ المَحَطَّات المُعَاصِرة، التي كَشَفها بِمجس الطَّبيب الحاذِق، والدليل الخِرِّيت، راكبًا صهوة ما يمكن أن نصطلحَ عليه بـ"الوصف الارتحالي"، تمتزج فيه بلاغة المكان بِتَقاسيم الزمان، فأصاب في ذلك المَحَز، وطَبَّق المفصل، مما يطول بنا المَقام لو ذهبنا نُدَلل عليه ممَّا ورد في الديوان.

وحُق له أن يفخرَ بِهَذا الصنيع، وهو يَتَحَدَّث عن هَمْزِيته قائلاً: "جسدتُ فيها تلك الرِّحلة الميمونة، تجسيدًا متح منَ الواقع فصوله، وأخذ منَ المعيش أحداثه، فهي صورة لِوَاقع عشتُه، ووعاء احتوى شُعوري الدَّفين، أذكى ذلك ما أثارته في نفسي بعد العودة ذكرياتها، فما استباحت نفسي الطمأنينة، حتى عبرت عن كل ذلك في هذه القصيدة، التي تَجَاوَزَتْ حدود الزَّمان والمكان، وما ركنتُ إلى الظِّل حتى اسْتَجْلَيْت منَ المحاسِن ما وَشَى بُرْدَتها، حتى استقام نَسِيجها على ما هي عليه، وبانَ لَفْظها مَنْظومًا بما أطمئن إليه"[30].

ولم تكن محبتي الشَّخصية للشَّاعر بِمَانعتي أن أردفَ إعجابي بما رأيته من هَنَّات غير مقصودة، تنبت هنا وهناك، وإن كان معظمها - في نظري - بَدَا مع الشُّعراء المُعارَضينَ، ولم تكن لِشَاعرنا فيها يد إلاَّ ما كان من متابعة تجد لها ألف عذر، بِفِعْل الانبهار بِهَؤلاء الشَّوامخ، الذين طلعتْ شمسهم، حتى لم يكد يبدو معها كوكب.

لقد ثقف شاعرنا رسالة الشعر، ووظيفة فن القول، فلم يجعلْه زلفى لِمَنصب، ولا قُربانًا لجاهٍ أو سلطان، فالرَّجل مُتواضِع في مَسْكنه ومركبه، ومأكله، ومشربه، يقنع بما في يده، ولا يَشْرَئِبُّ عنقُه إلى ما في أيدي غيرِه، وهذه إحدى مُقومات الشاعر الرِّسالي الناجح، الذي يَعتبر الشِّعرَ مَكْرُمة لِصَاحبه، تُبَوِّئه مكانة لا يرتقي إليها المال ولا السلطان، يقول:
عَدِمْتُ الشِّعْرَ  مَكْرُمَةً  إِذَا  لَمْ        يُبَلِّغْنِي  عَلَى  وَفْزٍ[31]   مُرَادَا
يَعِزُّ عَلَيَّ أَنْ  أُلْقَى  نَزُورًا[32]        وَمِثْلِي لاَ يُصَدُّ وَلاَ يُعَادَى[33]
 
فما جدوى الشعر إذا لم يصدع بِالحَق، وينتفض للدِّفاع عنِ المحارم؟! وكيف للشاعر أن يُلْفى بَكيمًا صموتًا "نزورًا" أمام قضايا الأمة الكبرى؟! وهل يصمد لها إلاَّ شاعرٌ خِنذيذ، بُهمة، مُفْلِق "لا يصد، ولا يعادى"، ويقول:
هَذِي الأَحَاسِيسُ  فِي  شِعْرِي  مُفَجَّرَةٌ        تَشِفُّ  عَنْ   كَمَدٍ   تَنْجَابُ   عَنْ   أَلَمِ
أَطْلَقْتُهَا  صَيْحَةً  حَرَّى   فَمَا   سُمِعَتْ        أَصْدَاؤُهَا فِي شِعَابٍ أَوْ ذُرَى عَلَمِ
[34]
 
فعلامَ إذًا يُوَظِّف هذه النعمة الجليلة في الغزل السافر، والوصف الفاضح، والمدح المتزلِّف، والهجاء الظالم، والرِّثاء الكاذب، وتغيب المضامينُ الشريفة، والقضايا العفيفة؟ يقول شاعرنا في الميميَّة:
إِنِّي  نَسَجْتُ   قَوَافِي   الحُبِّ   مَادِحَةً        وَغَيْرُ مَدْحِكَ يَوْمًا مَا جَرَى بِفَمِي[35]
 
ويقول في المرتجية:
أَرْجُو   بِمَدِيحِي   الْمَآلَ    حَمِي        دًا وَحُسْنَ الخِتَامِ عَلَى النَّهْجِ[36]
 
ويقول في الهمزيَّة:
مَا  الَّذِي  أُهْدِيهِ   إِلَيْكَ   وَمَا   لِي        غَيْرُ     شِعْرِي      هَدِيَّةٌ      غَرَّاءُ
مِنْ رِيَاضِ الشِّعْرِ البَهِيجَةِ صُغْتُ ال        حُبَّ    مَشْمُومًا    شَدَّهُ     الإِثْنَاءُ
صُغْتُ  فِي  مَدْحِكَ  الْقَوَافِيَ  لَكِنْ        مَا  عَلَى  مَدْحِكَ   القَوَافِي   وطَاءُ
أَنْتَ فَوْقَ الشِّعْرِ  الرَّصِينِ  فَمَا  فِي        كَ   القَرِيضُ   الرَّصِينُ   إِلاَّ   مكَاءُ
بِكَ  رَاقَتْ  نَضَارَةُ   الشِّعْرِ   رَوْقًا        وَانْتَمَى    مِنْ    مَدِيحِكَ     الأُدَبَاءُ
نُورُكَ  الضَّافِي   دُونَه   كُلُّ   شِعْرٍ        يَتَبَارَى  فِي  نَسْجِهِ   الشُّعَرَاءُ
[37]
 
إنَّ الشاعر "زويريق" يوقفنا على حقيقة مُلِحَّة، وهي أنَّ الشِّعر لا بدَّ له من وظيفة، فهو وسيلة "تضع حدًّا لكل صراع قام على ما يطالنا من يأس، أو إحباط"[38].

والشِّعر يزرع الأمل في النفوس اليائسة، أمام تلاطم النَّكبات المُدْلَهِمَّة، وارتجاج الأزمات المطلخمة، "فالقصيدة - يقول زويريق - قد تعيد إلى النفس الأمل إذا أحسنا الإفصاح، لا شيء يمكن أن ينفذَ إلى مغاوير اللوعة تِرياقًا يهدئ مِن إيقاعها غيرُ القصيدة، لا شيء يمكن أن يواسيني - وأنا في ذِروة الأزمة - غيرُ القصيدة"[39].

والشعر عند "زويريق" دواءٌ للعاطفة، بَلْسم لجوانية هذا الجسد، الذي أثقلته هموم الحياة، وفرقته مجاديف الخطوب، ونهشه أنينُ الأحزان، وصرخاتُ المآسي، التي تقصف أعيننا، وتصك آذاننا عند مطلع كل يوم، يقول: "أريد أن يكونَ للشعر وجود لاهب، يسرني أن يكون في بلدي لكل ألف نسمة شاعرٌ، لم لا؟ ما دام هناك لكل خمسين ألف نسمة طبيبٌ، فمُدَاواة العاطفة أولى من مُدَاواة الجسد، الشعر يُطَهِّرنا مما علق بنا من أدران الحياة، الشعر قوسنا الذي نرمي به غرابين المآسي، وسيفُنا الذي نجهز به على رقاب تنانين الفضائح، الشعر مجدافنا النُّوراني، الذي نجدف به نحو المرفأ الآمن في خِضَم الحياة، كلَّما اهتاجتْ أمواجه الكاسرة"[40].

هذه بعض وظائفِ الشِّعر التي أبان عنها الشاعر زويريق إفصاحًا وتقريرًا، غير أنَّ ديوانه "على النَّهج" ضَمَّن وظائف أخرى لا تقل أهمية عما ذكر، سأحاول استعراضها في هذه الدراسة المُتواضِعة، معترفًا بأن الديوان يُحَاصِرني في كل قصيدة منه؛ بل في كلِّ بيت تطالعني إحدى الوظائف الكريمة، ناضحة بِسِحْر منَ البيان، مجللة بِغِشاء منَ المعاني الكريمة، مما يجعل النماذج المستعان بها انتقائيَّة، تَرِد مورد التَّمثيل لا الحَصْر، علمًا بأن تحديد وظائف الشعر أمرٌ تَكْتنفه الدوافع النَّفسيَّة، والحاجات الفنيَّة، فالخلاف فيه مُسْتَسَاغ، فَلْنُفْسِحِ المجال لأحد هذه الآراء، لا لتزيح التَّوجُّهات الأخرى، المُغْتَلِثة بِنَظريات الأدب المختلفة؛ ولكن تحقيقًا للتَّنَوُّع المثمر، وطرحًا للاقتناعات المختلفة، المدعومة بما يثبت جِدِّيتها، وقوتها على المنافسة في ميدان النقد الأدبي الفسيح.

تَعَدَّدَت وظائف الشعر في ديوان "على النهج"، مما يصعب الإحاطة به في مثل هذه الدراسة التي لا تقصد الاستيعاب، بِقَدر ما تقصد وضع اليد على نماذج من هذه الوظائف المُحَدَّدة لِرِسالة الشعر عند "زويريق"؛ لذلك سأقتصر منها على أربع:

1- الوظيفة العقديَّة:
وهي أم الوظائف الأخرى، والغاية الظاهرة والمستبطنة، التي يَتَوَخَّاها الشاعر الرِّسالي، الذي يجعل من موهبته أداة لإمتاع القارئ من جهة، ونفعه من جهة أخرى، ولهذا اتخذ الرسول - صلى الله عليه وسلم - مجموعة منَ الشعراء، لا لِيَتَمايل الناسُ على إيقاع شعرِهم، ويتيهون في غمرات الخَدَر والتَّهَوُّك؛ ولكن للدِّفاع عن العقيدة، وتحصين النَّفس البشريَّة منَ الوقوع في مَهاوِي الرَّذيلة، والسُّمو بها لِمُعانقة المعاني الجميلة، المُعَبِّرة عن حقيقة الكون، وجمال الحياة، وإشْراقات الإنسان.

وحينما انتدب الرَّسول الكريم "حَسَّان بن ثابت"، لِيُبارز المُناوِئين بِسِلاحهم، قال له: "إنَّ روح القدس لا يزال يُؤَيّدك ما نافحت عن رسول الله"[41].

والغريبُ أنَّ دُعاة فصل الشَّكل عنِ المضمون، والاقتصار في الجمال على اللَّفظ والسبك دون المعاني، لم يفطنوا إلى أنَّ الشعر إنما نشأ في ظل العقيدة، التي كانت النسغ الأول في قيامه؛ بل لا يمكن أن نَتَصَوَّر أن "يعيش الأدب منضوح البيان بالسحر الحلال وفصل الخطاب، إلا في حمى الدِّين"[42].

لم تكن هذه الحقيقة لِتَغيب عن شاعرنا "زويريق"، الذي شحذ إزميله لِيَخُط ما يكون شاهدًا له يوم القيامة، وقد صَرَّح بذلكَ في مقدمة الجزء الثاني مِن "على النهج"، حين جعل الهدف المتوخى مِن ديوانه، أن يجعلَه الله تعالى من خير الأعمال التي لا تبلى، ولا يطالها النِّسيان، وأن ينفعَه به يوم لا ينفع إلاَّ العمل الصالح[43].

ويمكن أن نعتبرَ "على النهج" ديوانًا عقديًّا بامتيازٍ، يلتقي فيه صدى الشعر بإيقاع الدِّين، فهو يسفر عن حبٍّ صادق للرَّسول - صلى الله عليه وسلم - ودفاعٍ مستميتٍ عن سُنته، وردٍّ قويٍّ على مَن يريدون النَّيل منه، والطَّعنَ عليه، والإزراء برسالته، مقتحمًا في ذلك معارَضة أشهر القصائد في هذا المعنى، مبتكرًا داليةً جديدةً في الرَّدِّ على مَن أساء إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالرسومات الكاريكاتورية من خمسة وسبعين بيتًا، شَدَّتْني إليها شدًّا، واسْتَوْقَفَتْنِي معانيها الشائقة أكثر من مَرَّة؛ لِيَتَبَيَّن لي أن الرَّجل لم يكن لِتَعوزه صياغة المضامين الحديثة، في القوالب الشعرية المنعوتة بالقديمة، منها قوله:
فَدَتْكَ النَّفْسُ  إِنَّ  الصَّمْتَ  ذُلٌّ        إِذَا انْتُقِدَتْ عَقِيدَتِيَ انْتِقَادَا[44]
 
وهنا يضع يده على أكبر داءٍ عُضال، ينخر في كيان الأمة، ويرمي بها في مساحِق الضَّعْف والخذلان، تُنتهَك حرمةُ النبي - صلى الله عليه وسلم - فَنَتَوَارى خلف الصَّمت، ونعتصم بالإحجام، ولئن كان هذا اختيار سواد الأمة، الذين صارتْ مُقدساتهم أهون عليهم من تَبالة على الحجاج[45]، فلا عُذْر للشاعر في النُّكوص، وقد أمده الله بِسِلاح، قد يكون وقعه أبلغ من وقع السنان:
فَلَسْتُ  إِلَى  الكَلاَمِ  أَمِيلُ   طَبْعًا        إِذَا  أَمَّلْتُ   فِي   الصَّمْتِ   اتِّآدَا
إِذَا   الْتَمَسَ   السَّلامَةَ   فِيهِ    غِرٌّ        فَلاَ  مَعْنًى   لِمَنْ   بِالشِّعْرِ   جَادَا
وَرَبِّكَ    لاَ    أَلُوذُ    إِلَيْهِ     إِنِّي        رَأَيْتُ الذَّوْذَ عَنْ حَقٍّ جِهَادَا
[46]
 
ويتعاظم الأمر عنده، حين يجعل الصمت عن هذه الانتهاكات الجسام رديفًا للخروج عنِ المِلَّة:
فَلَيْسَ   إِلَى   الحَنِيفَةِ   لِي    انْتِسَابٌ        إِذَا أَبْصَرْتُ فِي الصَّمْتِ العتَادَا[47]
 
ولأن الشاعر "زويريق" كان في هذه القصيدة مسكونًا بالدِّفاع عنِ العقيدة، لِشِفاء الغليل منَ المعتدين، مستفزًا لِمُناصرة الدين، مُجْرَمِّزًا لاقتناص كل فرصة، يَلْفتُنا من خلالها إلى عظمة هذه العقيدة، التي يجب ألا نَتَوَانَى - قيد أنملة - في نصرتها:
فَمَا يَشْفِي غَلِيلِيَ  عُذْرُ  سَادٍ        يَرَى  فِي  كُلِّ  مُعْتَقَدٍ  فَسَادَا
وَمَا جَدْوَى الحَيَاةِ لِمَنْ أَرَادُوا        بِهِ وَبِدِينِهِ السَّامِي كِيَادَا[48
]
 
ولا ينسى أن يعرِّجَ على أصحاب الأفكار المادية الجانحة، دعاة الحُرية الجامِحة، الذين لا يُحرك عاطفتَهم سبُّ الدين، أو يشعلُ أُوَار غَيْرتهم الاعتداء على الرسول الكريم؛ بل لا يضِيرهم أن يكونوا هم أنفسُهم المُعْتَدين، يقول على لِسَانهم:
أَنَا    حُرٌّ    إِذَا    أَطْعَمْتُ    فِيكُمْ        لَهِيبَ     الرَّوعِ      يَتَّقِدُ      اتِّقَادَا
أَنَا    حُرٌّ    إِذَا    جَرَّدْتُ    سَيْفِي        أَسُبُّ     الدِّينَ     يَوْمًا     وَالعِبَادَا
أَنَا   حُرٌّ   إِذَا   جَدَّفْتُ   فِي    البَا        طِلِ المَحْظُورَ وَاخْتَرْتُ الكِيَادَا[49
]
 
لِيُرسخ بعد ذلك أنَّ الحرية الحقيقية لها حدود تسيجها، وقيود تعصمها من أن تصبح مسوغ اعتداء، ومعول هدم، كما قال "بيرك": "إنَّ الحرية يجب أن تقيد؛ لِكَيْما تُمْتلك"[50]:
لِحُرِّيَةٍ     حُدُودٌ     لاَ      يَعِيهَا        مَرِيضُ العَقْلِ يَفْتَقِدُ السَّدَادَا[51]
 
وقال:
أُشَجِّبُ   كُلَّ   حُرِّيَةٍ    إِلَيْهَا        يُنَادِي كُلَّ مُفْتَقِدٍ سَدَادَا[52]
 
أما التَّباهِي بِنَزْع القيود، والاعتساف على المعتقدات، والدوس على مشاعر الناس، فهو الغفلة القاتلة، والهوى الماحق:
يُبَاهِي    بِالتَّحَرُّرِ    كُلُّ    غُفْلٍ        لِشَيْطَانِ الهَوَى أَبْدَى انْقِيَادَا[53]
 
وها هنا قضيَّة أخرى، يجابه بها الشاعر دعاة حوار الأديان السماوية، وتلاقحها، وتكامِلها، وأنها كلها على قدم المساواة، نعم، إنّه يعترف أنها كلها منَ الله، وأن احترامها واجبٌ، والإيمان بها شرط في الإسلام {لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ}[54].
لِكُلِّ   عَقِيدَةٍ    عِنْدِي    مَكَانٌ        بِهَذَا أَوْصَتِ الرُّسْلُ العِبَادَا[55]
 
ولكن؛ لا بدَّ مِنَ التَّسْليمِ بِأَفْضَليَّة رسالة الإسلام عليها؛ لأنها الرسالة الخاتمة:
وَأَفْضَلُهُمْ   رَسُولُ   اللهِ   مَنْ    جَا        ءَ     بِالإِسْلاَمِ     نَهْجًا     وَاعْتِقَادَا
أَتَبْغِي    غَيْرَ     دِينِ     اللهِ     دِينَا        وَمَا فِي الكَوْنِ أَحْسَنُ مِنْهُ زَادَا
[56]
 
وهو في ذلك ناظرٌ إلى قوله - تعالى -: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}[57].
والعقيدة الصَّحيحة تدور حول التوحيد، الذي مِن أجله جاءتِ الرسل تَتْرى:
لَكِنَّنِي     وَيَقِينِي      أَنَّهُ      أَحَدٌ        فِي الكَوْنِ لَيْسَ لَهُ نِدٌّ وَتَمْثِيلُ[58]
 
وكان القرآن الرسالة الخاتمة، التي لا يُقبل مِن طامع في الجنَّة سِوَاها:
قَدْ جَعَلْتُ الإِسْلامَ دِينًا وَنَهْجًا        إِنَّمَا   الدِّينُ    لِلنُّفُوسِ    وِقَاءُ
مُؤْمِنٌ بِالذِي أَتَى المُصْطَفَى وَحْ        يًا  كِتَابٌ  مُطَهِّرٌ  وَشِفَاءُ
[59]
 
بل يذهب الشاعر إلى أكثر من ذلك؛ لِيُقَرِّر عقيدة أهل الإسلام في خالقِ الأكوان، تنزيهه عن كل مِثْل وشَبيه، وإفراده بالأسماء والصفات، واستطاع الشعر - عند إسماعيل زويريق - أن يتحمل مضامين تبدو تقريريَّة، وإرشاديَّة وَعْظِيَّة، لكن بأسلوبٍ شاعريٍّ ماتعٍ نقلها إلى عالم وجداني، يمس شغاف القلوب، كما يمسك بتلابيب العقول:
يَا   قَلْبُ   أَبْشِرْ   لأَنَّ   اللهَ   يَغْفِرُ    مَا        قَدِ   ارْتَكَبْتَ    مِنَ    الآصَارِ    وَاللَّمَمِ
يَكْفِيكَ    تَشْهَدُ     أنَّ     اللهَ     مُنْفَرِدٌ        وَأَنَّهُ   مَن   بَرَى   الأَكْوَانَ   مِنْ    عَدَمِ
مُنَزَّهٌ    عَنْ    صِفَاتٍ    أَنْتَ     تَعْلَمُهَا        مُقَدَّسٌ    عَنْ    فِعَالِ    الخَلْقِ     كُلِّهِمِ
فَمَا   لَهُ   فِي   الوَرَى   نِدٌّ    وَلاَ    مَثَلٌ        وَلاَ  لَهُ   فِي   غَيَابَاتِ   الوُجُودِ   سَمِي
هُوَ    الجَوَادُ    هُوَ     المَعْبُودُ     مُنْفَرِدًا        هُوَ    الكَرِيمُ    هُوَ    المَوْسُومُ     بِالقِدَمِ
هُوَ  البَصِيرُ   بِمَا   تَحْتَ   البِحَارِ   وَمَا        فَوْقَ   السَّمَاءِ   هُوَ   المَوْصُوفُ   بِالكَرَمِ
هُوَ   الغَفُورُ   وَمَنْ   يَدْعُو   سِوَاهُ   فََقَدْ        ضَلَّ السَّبِيلَ وَأَلْقَى النَّفْسَ فِي الظُّلَمِ[
60]
 
وإذا كان الخالق بهذه الصفات، فلِمَ الاستغاثة بغيره، والاستعانة بأنْدَاده، والتَّوَسُّل بما لا يضر ولا ينفع؟!
أَنْتَ  يَا  أللهُ  المُغِيثُ   إِذَا   حَلَّ        تْ هُمُومٌ وَضَاقَتِ الفَيْحَاءُ[61]
 
ويُقَرِّر الشاعر أنَّ عقيدة المسلم، تَقْتَضِي التسليم لِمُدَبر الكون، والاعتراف بالقضاء والقدر، بعد الأخذ بالأسباب، واستفراغ الوسع في العمل، دون اتِّكال أو توانٍ.
يقول:
بِمَا   قَضَيْتَ   رَضِيتُ   اليَوْمَ    مُلْتَمِسًا        أَنْ تُبْرِئَ الرُّوحَ مِنْ رُزْءٍ وَمِنْ سَدَمِ[62]
 
ويقول:
تَعْمَى البَصَائِرُ وَالأَبْصَارُ إِنْ حَسَمَتْ        إِرَادَةُ  اللهِ  أَمْرًا  غَيْرَ  مُنْحَسِمِ[63]
ويقول:
قَدْ  ظَفِرْتُ  بِأُمْنِيَّتِي   يَا   نَفْ        سُ  فَهَذَا   مَقامُكِ   فَابْتَهِجِي
فَاتْرُكِي    للهِ     الأَمْرَ     إِذَا        فَجَأَتْكِ صُرُوفٌ لَمْ تَرْجِ[64]
 
 
وهكذا أينما صَوَّبْتَ النَّظَر إلى صفحات الديوان، طالعتْكَ أبيات العقيدة، تقريرًا، وتصويبًا، ودعوةً، وهذا هو الشاعر الإسلامي، تجده مسكونًا بالقضيَّة الكبرى، التي مِن أجلها خُلق الإنسان، قضية التوحيد، وما يتطلبه من تطهير الجنان مِن زيف المعتقد، وفساد التَّصَوُّر.

2- الوظيفة التاريخيَّة:
التاريخ سِجِلُّ الأمة الحافل، الذي يمدها بالنسغ الضروري لاستمرار الحياة، والنبع الفياض الذي تَرْتَوي منه، حين تجف هذه الحياة مِن بوادر النُّصرة، وبَوَارق اليقظة، وتستحيل إلى انتكاسات وارتكاسات، إنه الزاد الخلفي، الذي تفزع إليه حين تنقلب الشخصية الإسلامية المتوازنة، إلى منبهرة بِبَريق الحضارة الغربية، سادية في أوهادِ تقليد الوافد، والاحتفاء بالغريب.

إن الشاعر المُقْتدر مَن يستطيع أن يجعلَ الوقائع التاريخيَّة تَتَحَرَّك أمام أعيننا، يحيل المتلقي إلى منفعل بالحدث، كأنما يعيشه من جديد، إنَّ الشاعر الحقيقي مَن يَقْدر على استدعاء لَحَظات السموق والصعود في تاريخ الأمة، فيُذَكِّرها بأمجادها وبطولاتها، وأفذاذها الذين حققوا الانتصارات الكبرى، ليزرع فيهم روح الإكبار لهم، والإعظام لِمَواقِفهم، عسى أن تتحركَ النفوس، وتتيقظ العزائم ،على حد قول "محمود غنيم":
مَاضٍ   نَعِيشُ   عَلَى   أَنْقَاضِهِ    أُمَمًا        وَنَسْتَمِدُّ القُوَى مِنْ وَحْي ذِكْرَاهُ[65]
وكما يستدعي الشَّاعر لَحَظات السموق والرِّفعة، يستدعي - أيضًا - لَحَظات الهُبُوط والنكوص، رجاء تلافِي أسبابها، وبغية بناء النُّفوس مِن جديد.

وليس القصد أن يَعْتَقِلَنا الماضي، أو أن نقبعَ في ردهاته، فهذا لا يزيد عن كَوْنه مسكنًا ظَرْفيًّا، ما يلبث أن ينقشعَ عنِ الحقيقة المُرَّة، والواقع المُتَرَدِّي، إنَّما القَصْد اسْتِلْهام الشُّحنات الإيجابيَّة، الكَفِيلة بِضَخ دماء جديدة في عُرُوق هذه الأمة؛ لتنتفض من جديد، وتنهض للبِناء.

وهنا يكمُن الفرق الدَّقيق بين المؤرخ الذي يسرد التَّجربة، وينقل تفاصيلها، وبين الفَنَّان الذي يَتَمَثَّل التَّجربة، ويحياها مِن جديد، ويعبِّر عنها بِطَريقته الوجدانيَّة المُؤَثِّرة، فيكون المتلقي أكثر انجذابًا لها، وانفعالاً بِلَحظاتها، وهذا ما انْتَهَجَه شاعرنا في دِيوانه، وبِخَاصة في ملحمتِه الهمزيَّة، التي تعانق فيها الزمان بِفَسيح المكان، أو ما يمكن أن نصطلحَ عليه "بِبَلاغة المكان"، بما لم يُسْبَق إليه، بِحَسب علمي.

إنَّ مدح النبي - صلى الله عليه وسلم - هنا لَمْ يقتصرْ على سَرْد حياته، وذِكْر أَوْصَافه، وبيان أخْلاقِه، وذِكر مُعجزاته، ووَصْف غزواته، كما هو دَيْدن شُعراء المديح بعامَّة؛ بل تَجَاوَزه إلى نَقْل رحلة مُفَصلة، يعتبر المديح النبوي عمودها الفقري.

انظر إليه يمزج بين بلاغة المكان "المدينة النبويَّة"، ومحور المكان "النبي" - صلى الله عليه وسلم - والتَّعبير عنِ المكان "الشعر":
كُلُّ  مَا  فِيكَ   لِلْمَدِيحِ   ازْدَجَانِي        أَيْنَ  يَا  نَفْسُ   أَيْنَ   ذاك   الإِيحَاءُ؟
فَلَقَدْ   أَلْفَيْتُ   المُقَامَ    عَلَى    سَهْ        لٍ    فَمَا    فِي     زِيَارَتِي     لَأْوَاءُ
كُلُّ   مَا   فِيكَ   شَاهِدٌ   أَنَّهُ   خَيْ        رُ    رَسُولٍ    يَا    طَيْبَةُ    الزَّهْرَاءُ
هَا  أَنَا   يَا   مَدِينَةَ   المُصْطَفَى   بَِيْ        نَ     مَغَانِيكِ      شَاعِرٌ      مُهْدَاءُ
لَيَسْ  عِنْدِي   إِلاَّ   القَصَائِدُ   تُمْلِي        هَا عَلَى أَسْمَاعِ الوَرَى حَوْبَاءُ[66]
إنَّ جمال المدينة النبويَّة، يقبس مِن جمال صاحبها - صلى الله عليه وسلم - الذي ملك على الشاعر كِيانَه، حتى رأى كل مُتَعلِّق به جميلاً، فالمقام سهل، والزيارة خالية مِنَ النصب، وكلُّ هذا دليلٌ على صِدْق صاحبِ الرِّسالة وخيريته، عندها لَمْ يملكْ نفسَه حتى امْتَطَى إِزْمِيلَه، وتنسم شعره، وحَكَّ قريحته مادحًا مُقِرًّا.

وهو حين يقف عند جبل أُحُد، لا يجعل منه مُجَرَّد مكان للمعركة، يصف أحداثها ونتائجها؛ بل جعل ذلك مناسبة لِرَبط الماضي بالحاضر، وبيان الحالة النفسية التى يكون عليها الأعداء في كل زمان ومكان، يقول:
مَا انْطَوَى المُشْرِكُونَ إِلاَّ عَلَى غِلْ        لٍ مُهِيجٍ  لَمْ  يَشْفِهِ  إِغْضَاءُ[67]
هذه حَقِيقتهم، وهذا واقِعهم الذي لا يَتَغَيَّر: {وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً}[68].

أحقاد وتارات وانتقام:
دَمُ قَتْلَى بَدْرٍ طَلِيفٌ[69] إِذَا لَمْ        تُطْفِئ الثَّأْرَ  غَارَةٌ  سَحَّاءُ[70]
ولقد صدق شاعرنا - والله - ليست الهجمة الصَّليبية على بلاد المسلمين في زماننا، إلا ثأرًا من انتصارات المسلمين، الذين لم يكنْ هدفُهم الاستعمار - كما هو شأن أعدائهم - وإنَّما نَشْر هداية الإسلام، وتبليغِ كلمة الله، وحين انْهَزَمَتْ قريش في بدر، لم يقر لها قرارٌ، ولم يغمض لها جفنٌ، حتى هَبَّتْ لِقِتال المسلمينَ في أُحُد:
فَاسْتَهَبَّتْ     قُرَيْشُ     كُلَّ     حَلِيفٍ        وَاسْتَهَجَّتْ[71] ظَهِيرُهَا البَوْغَاءُ[72]
خَمَّنَتْ  فِي   الحَرْبِ   العَوَانِ   شَبُوبَا        يُخْمِدُ     الضِّغْنَ     نَارُهُ      الحَمْرَاءُ
فَاسْتَقَادَتْ    لَهَا    الجُمُوعُ     فَلِلْزَحْ        فِ سُعَارٌ  وَلِلْوَحَى[73]  إْذَكَاءُ[74]
ولم يَكتفِ شاعرُنَا بِنَقْل الحالة النَّفسيَّة للأعداء، وما يضمرونه مِنْ كَيد ومَكْر، حتى قابل ذلك بما كان عليه المسلمون من حالة دفاعيَّة مستوفزة، لا يقض مَضْجَعها عدد الخُصُوم ولا عُدتهم، فالنتيجة واحدة، نصر أو شهادة:
وَإِذَا الحُبُّ  فِي  الجِهَادِ  تَأَوَّى        مُؤْمِنًا هَانَتْ فِي الوَغَى الحَوْبَاءُ
فِي رِضَا اللهِ  هَانَ  كُلُّ  عَزِيزٍ        هَانَتِ  الرُّوحُ  هَانَتِ   الأَبْنَاءُ
غَايَةُ المُؤْمِنينَ  نَصْرٌ  لِدِينِ  اللَّهِ        والنَّصْرُ    عِزَّةٌ     شَمَّاءُ[75]
وهكذا نجد الشاعر يستنطق التاريخ، ويُجْلي أحداثَه، ويقرأ ما وراءه، ويُقَرر الاستنتاجات، وهيَ القِراءة الإيجابيَّة، التي لا ترضى بالسَّرد، حتى تجعل منَ الحدث صورة ناطقة، تعج جوانبها بالحياة، وتهتز أعطافها بالدَّلالات، وتفصح مكنوناتها عنِ الدروس والعِبَر.

3- الوظيفة النفسيَّة:
الشِّعر الحقيقي ما كان نتيجة لِتَجربة شعوريَّة صادِقة، مُنبثقة عن تَوَتُّر نفسي مُتَأجج، تحرِّكه خلجات النفس، وانفعالها بِمَشهد معين، ولَعَلَّ هذا التَّوَتُّر النفسي أضحى في زماننا أكثر وهجًا، وأعظم تأججًا، فالشاعر الرِّسالي المعاصر، يؤلِمه ما يرى عليه مجتمعه من سُلُوكات وأخلاق، تَتَنَافَى مع عقيدته ومبادئه، فتراه غير راضٍ ولا مطمئنٍّ، تحز في نفسه هذه المشاهد المُؤْلِمة، وتؤرّقه هذه المظاهر السَّقيمة، حتى"أصبح فريسةَ ضغوطٍ هائلة لا تُطَاق، تَنْصَبُّ عليه مِن كُلِّ مكان"[76].

ودور هذا الشاعر المُبْدِع، يكمن في تطهير القلوبِ منَ الاضطراب، والتَّخْفيف منَ العناء، وإعادة الأمل والطمأنينة إلى النفوس، "إن صوت الأدب ينطلق هنا؛ لكي يُؤَدِّي وظيفة نفسيَّة ليست كالوظائف، إن تحليل معاناة المسلم، وتفكيك عقدها، وفك ارتباطاتها المُؤْلِمة في طبقات نَفْسه العميقة، قد يعينه على تحويل هذه الآلام والعذابات إلى طاقة إبداعيَّة"[77]، فيستحيل الشِّعر أداة تنفيس وتفجير لتلك الأحاسيس والزفرات، ويصير بلسمًا ناجعًا، يجد فيه المُتَطَبِّب حاجته النَّفسية، فيُدخل عليه السُّرور، ويُعيد إليه الأمل.

لقدِ استطاع الشاعر "إسماعيل زويريق"، أن يحقِّقَ هذه الوظيفة على مستويينِ: الشخصي والإنساني:
1- أمَّا على المستوى الشخصي، فقد وجدناه منفعلاً بِالحَدث الذي ساق له قصائد الدِّيوان، وهو حُبُّه لِرَسول الله - صلى الله عليه وسلم - وشدة شوقه لِزِيارته، وزيارة البِقاع التي عليها آثاره وبَصَماته، لِنَسْتمع إليه يقول:
شَوْقِي   إِلَيْكَ   رَسُولَ   اللهِ   لَيْسَ   لَهُ        حَدٌّ    وَلاَ    لِرَجَائِي     فِيكَ     تَمْثِيلُ
لَكِنَّنِي   وَيَدِي   مِنْ   عَسْرَةٍ    ضَمُرَتْ        أَنَا     بِمُرَّاكِشَ      الحَمْرَاءِ      مَغْلُولُ
جِسْمِي  هُنَا  بَيْنَ  أَغْرَاسِ  النَّخِيلِ   بِلاَ        عَقْلٍ   فَعَقْلِي   إِلَى    الزَّهْرَاءِ    مَنْقُولُ
أَنَا   هُنَا    وَرِحَابُ    القَلْبِ    طَائِرُهَا        لَهُ    عَلَى    القُبَّةِ    الخَضْرَاءِ     تَهْدِيلُ
وَكُلَّمَا  ذَرَّ  مِن  شَمْسِ  الشُّرُوقِ  عَلَى        رَبْعِي سَنًى شَبَّ فِي جَنْبَيَّ شُعْلُولُ[78]
ومع سُؤَاله إزاحةَ العَقَابيل الحاجزة دون بلوغ هذه المنيَّة، يواجهنا هنا التَّنازع النَّفسي منذ مطلع القصيدة الأولى في الديوان:
بَانَتْ  سُعَادُ  فَمَا   لِلْحُزْنِ   تَمْهِيلُ        الدَّمْعُ مُنْسَجِلٌ وَالجِسْمُ مَهْزُولُ[79]
ليست هذه حالةَ المُغْرم الوَلْهان، الذي تَعَلَّقَ قلبُه بِغَانية سرعان ما تذوب لَذَّتها، وتنصهر متعة ذكراها ولقياها، إنَّها حالة منَ التَّعَلُّق الحقيقي بِسَيد البشر، مبلغ الهداية المُهداة، مخرج الناس من دَياجِير المادة الفانية، إلى إشراقاتِ الرُّوح العالية، إلى الانعتاق مِن ثقل اللَّذة الدنيويَّة العابرة، لذلك كان طبعيًّا أن يجأر شاعرنا بهذا التَّعَلُّق، الذي لا يحسه إلاَّ صادق الأعطاف، نبيل الإحساس.

لقد اتَّخَذ الشاعر غرض المديح وسيلة لاعترافات هذه النفس الجانية، ومحطة لِسَكب العَبَرات، وبثّ الزَّفرات على التَّفريط في وقت البِذار، وتَكَرَّر هذا معه في أكثر مِن موضع في الديوان بِجُزْأَيْه؛ بل لا أبعد النُّجعة إنْ زعمت أنَّ الديوان بِرُمته تنفيسٌ عما يجيش في نفس الشاعر، وما اقْتَرَفه من ذُنوب وخطايا، ليس من سبيل إلى محوها إلاَّ بِهَذه الرحلة إلى مكَّة والمدينة؛ للانبطاح بين يدي الله – تعالى - ورفع شكاة هذه النفس اللَّوَّامة، وأكثر ما جاء هذا البَوح في الميميَّة، ومنها قوله:
أَسْتَغْفِرُ   اللهَ   إِنْ   أَمْسَى    يُخَالِجُنِي        لَمْ  آتِ  يَوْمًا  بِمَا  يَدْعُو  علَى  الوَجِمِ
لَيْسَ  البُكَاءُ  عَلَى   مَا   فَاتَ   يُنْقِذُنِي        وَلاَ    التَّنَدُّمُ     يُغْنِينِي     عَنِ     البَرَمِ
فَمَا نَهَانِي  الذِي  أَمْضَيْتُ  مِنْ  عُمُرِي        وَلاَ اكْتَهَيْتُ[80] بَيَاضًا شَبَّ في لِمَمِي
إِنَّ   المَعَاصِي   وَإِنْ   دَقَّتْ    صَغَائِرُهَا        هِيَ الطَّرِيقُ بِلاَ  رَيْبٍ  إِلَى  الحَدَمِ[81]
صَرَفْتُ   عُمُرِيَ   فِيمَا   لَيْسَ   يَنْفَعُنِي        فَمُنْتَهَى    أَرَبِي    مَا    لَيْسَ     بِالأَمَمِ
فَكَيْفَ  أَلْقَاكَ  يَا  رَبَّ   الوُجُودِ   وَبِي        مِنَ التَّخَوُّفِ  مَا  يَرْبُو  عَلَى  أَكَمِ
[82]
 
وازْدَادَ هذا الإحساس تأجُّجًا، حين يَتَأَمَّل الشاعر سنينه السِّتين، وقد انْفَرط عِقدها، وزال رواؤها، دون أن يحفل سجله بأعمال مرضية، وأقوال منَ الجنة مُدنية:
سِتُّونَ  عَامًا   مَضَتْ   وَالنَّفْسُ   مُدْمِنَةٌ        عَلَى ارْتِيَادِ مَغَانِي الذَّنْبِ وَالشَّجَمِ[83]
فَمَا   اقْتَدَرْتُ   عَلَى   تَجْفِيلِ   طَائِرِهَا        عَنْ وِرْدِه  لاَ  وَلَمْ  أَعذِلْهُ  أَوْ  أَلُمِ
[84]
 
وهنا تَتَزَاحم العواطف، ويشتد التنازع النَّفسي، حين يعترض التَّعَلُّق بالرَّسول الكريم، التعلق بالزَّوجة الباكية لِفِراق زوجها، في رحلة أَلِف الناس أن يُوَدعوا فيها الأقارب والأصدقاء، خوفًا مِن صعوبات السفر، واغتلاث الحين، وصَوَارف الدَّهر، إنه "تجاذُبٌ شعوري بِقُوى ضاغطة متكافئة، المرء قد يستجيب لِشُعور فيغلبه شعور آخر"[85]، غير أنَّ شاعرنا يقف من هذا التنازع موقفًا صارمًا، ويقدم حب الرسول - صلى الله عليه وسلم - على رغبة الزَّوجة، مما عظُم معه إحساسُها الدَّفين بِصُعوبة الفراق، وبوحُها بالمعاناة.

فلنستمع إلى هذا الحوار العاطفي الرَّقيق، ولنرَ كيف واجَه الشاعر الضُّغوط النفسيَّة القويَّة في مثل هذا الموقف الصَّعب، وكيف تخلص مِن لَحَظات الفراق المَمْزوج بالعبرات والأنَّات:
كُفِّي  عَنِ  اللَّومِ   مَا   لِلَّوْمِ   مُتَّسَعٌ        فَالدَّهْرُ وَغْدٌ عَلَى  التَّشْتَيتِ  مَجْبُولُ
دَعِي الكَلاَمَ  فَرَيْبُ  الدَّهْرِ  أَقْعَدَنِي        وَسَيْفُهُ   مُصْمَتُ   الحَدَّيْنِ   مَسْلُولُ
فَلاَ  الكَلاَمُ  يُفِيدُ  المُشْتَفِي  بِكِ   أَوْ        يُفِيدُ  فِي  شَرْحِ  مَا  يَعْتَادُنِي   طُولُ
فَقَصِّرِي   لاَ   أَرَاكِ   اليومَ   مُدْرِكةً        مَهْمَا  فَعَلْتِ  لِأَنِّي   عَنْكِ   مَشْغُولُ
إِنَّ  الذِي   عَنْكِ   شَدَّتْنِي   شَمَائِلُهُ        مُكَرَّمٌ    بِذُرَى     العَلْيَاءِ     مَنْزُولُ
فَكَفْكَفَتْ  دَمْعَهَا  وَالدَّمْعُ  رَائِدُ  مَا        تُخْفِي  الخَوَافِقُ  بِالأَسْرَارِ   مَحْمُولُ
وَأَرْسَلَتْ    آهَةً    حَرَّى    مُكَسَّرَةً        كَأَنَّهَا فِي شَغَافِ القَلْبِ إِزْمِيلُ
[86]
 
لم يدعِ الشاعرُ للنَّفس مجالاً للتَّرَدُّد، ولا سبيلاً إلى التَّأَنِّي في الاختيار، ولم تَتَقَاذفه الخواطر، ويَتهْ به شُبوب العواطف، وتَتَأَرجح به المشاعر، فاللَّوم في هذا المهيع لا يفيد، والدموع لا تقوى على التَّأثير.

غير أنه حسم لم ينبع عن تَسَلُّط واستبداد؛ بل كان مبنيًّا على مسوغات معقولة، استمد أسبابها من نبل الغاية، وشرف القصد؛ فالذي نازع في حب الزَّوجة، وتفضيل الركون إلى رغبتها، هو الرسول الكريم سيد البشر، صاحب الشمائل العليَّة، والصفات السنيَّة.

وهذا الموقف يذكرنا بِمَوقف النابغة الجعدي، الذي عزم على التَّوَجُّه للجهاد، فاعترضتْه زوجته باكية متضرعة، ساعية في إقعاده عن الخروج، غير أنه يعتذر بأن كتاب الله أخرجه، ولا مناص منَ الاستجابة، يقول:
بَاتَتْ       تُذَكِّرُني       بِاللهِ        قاعِدَةً        والدَّمْعُ    ينْهَلُّ    مِنْ    شَأْنَيْهِمَا     سَبَلاَ
يا   بِنْتَ   عَمِّي   كِتَابُ   اللهِ   أَخْرَجَنِي        كُرْهًا    وَهَلْ    أَمْنَعَنَّ    اللهَ    مَا    فَعَلاَ
فَإِنْ   رَجَعْتُ    فَرَبُّ    النَّاسِ    يُرْجِعُنِي        وَإِنْ    لَحِقْتُ    بِرَبِّي     فابْتَغِي     بَدَلاَ
ما  كُنْتُ   أَعْرَجُ   أَوْ   أَعْمَى   فَيَعْذِرَنِي        أَو ضارِعًا مِنْ ضَنًى لم يَسْتَطِعُ حِوَلاَ[87]
2- أمَّا على المستوى الإنساني، فقد جعل الشاعر "النَّفس" قضيَّة الناس المحوريَّة، وجعل تجربته مثالاً لِمَا يُعانِيه الكثير، ممن ذهلوا عن الآخرة، وقصَروا اهتمامهم على الدنيا، إنها وقفة محاسبة الذَّات، وطَرْد الغَفْلة، ومواجهة الرين الذي يفسد على الناس حياتهم، تمر الأعمار يمحو الليلُ النهار، والنفس الحية المتيقظة، هي التي يؤرقها مرور الأيام، واقتراب الأجل، ونذير الشيب، فكيف إذا اجتمع مع كل ذلك قلة الزاد، وطول السفر؟
قَدْ أَوْشَمَ الشَّيْبُ فِي رَأْسِي وَمَا اتَّخَذَتْ        نَفْسِي مِنَ الزَّادِ مَا يَحْتَاجُ ذُو  أَثِمِ[88]
 
وكثيرًا ما أَرَّق الشيبُ الشُّعراء، وأشعل نوازعهم النفسيَّة، وحرق قلوبهم الرافلة في التفريط، المُتَسَرْبِلة بالغفلة، المتلمظة بالذهول عن حقيقة الحياة الفانية، حتى قال "المتنبي" [بسيط]:
أَبْعِدْ بَعِدْتَ بَيَاضًا لاَ  بَيَاضَ  لَهُ        لَأَنْتَ أَسْوَدُ فِي عَيْنِي مِنَ الظُّلَمِ
وقال "ابن زمرك"[بسيط]:
إِذَا رَأَيْتَ بُرُوقَ الشَّيْبِ قَدْ بَسَمَتْ        بِمَفْرِقٍ  فَمُحَيَّا  العَيْشِ  قَدْ  كَلََحَا
يَلْقَى  المَشِيبَ   بِإِجْلالٍ   وَتَكْرُمَةٍ        مَِنْ قَدْ أَعَدَّ مِنَ الأَعْمَالِ مَا صَلَحَا
ويقول "أبو إسحاق الألبيري"[الكامل]:
الشَّيْبُ    نَبَّهَ    ذَا    النُّهَى    فَتَنَبَّهَا        وَنَهَى الجَهُولَ فَمَا اسْتَفَاقَ وَلاَ انْتَهَى
فالشاعر الرِّسالي، مَنْ يَهْتَبِل هذه النذُر؛ ليحولها - عن طريق موهبته الشِّعرية - إلى صور تدغدغ الوجدان، وتحرك النفوس، وكثيرون هم الذين غَيَّروا مواقفهم، ومبادئهم، واقتناعاتهم بِبَيت قرؤوه، أو قصيدة سمعوها في مناسبة، وكثيرونَ هم الذين تَحَدَّرت دموعهم، تأثرًا بتَجْربة الشاعر، الذي استَطَاع أن ينقل عالمه الخاص إلى عالمهم، فانطبعتْ أحاسيسهم بأحاسيسه، وتَشَكَّل وجدانهم بوجدانه، وهذه – لعمر الله - حقيقة الشعر الجيد[89].

لنستمع إلى الشاعر "إسماعيل زويريق" من جديد، من خلال هذه الأبيات الرائعة، التي لا نملك بعد سماعها إلاَّ أن نرجعَ إلى أنفسنا وذواتنا، ونسائلها عن جَدْوى هذه الحياة، التي ملكت علينا شعورنا وأحاسيسنا، واستَبَدَّت بأكبر قَدْر مِن تفكيرنا، واستنفذتِ الطاقة التي بها تسمو أرواحنا، وتعلو هممنا، ها هو الشاعر ينقل تجربته للشباب، الذين لا يزالون في مقتبل العمر، ويحذرهم مما آل إليه أمره، وآر بِسَبب أواره، وعظم مِن جرائه كَدَره، يقول:
قَدْ خُدِعْتُ  وَمَا  كَانَ  لِي  أَحَدٌ        يَنْهَانِيَ     عَنْ     سُوءِ     المَنْهَجِ
مَنْ   ذَا   يَا    إِلَهِي    يُخَلِّصُنِي        مِنْ    فَسَادِ    العَقِيدَةِ    وَالهوجِ
فَلَقَدْ   أَذْلَلْتُ    لِدَاعِي    الهَوَى        ظَهْرِي   وَعَدَلْتُ    عَنِ    النَّهْجِ
وَتَمَادَيْتُ    فِي    كُلِّ    مُهْلِكَةٍ        لَمْ أَجِدْ  فِي  تَمَادِيَ  مِنْ  حَرَجِ
وَتَحَصَّبْتُ   فِي   طَلَبِ   المُبْتَغَى        وَسَخِرْتُ  مِنَ   الزَّمَنِ   الأَعْوَجِ
وَخَطَّ  الشَّيْبُ  مِنِّي  الفُوَيْدَ  وَمَا        نَادَيْتُ   المَلاَهِيَ   هَيَّا    ادْرجِي
مَا  كُنْتُ   سِوَى   يَافِعٍ   طَائِشٍ        فِي حَيَاتِي وَشِيخٍ عَلَى عَنَجِ
[90]
 
ثمَّ إنَّ الشاعر لا يكتفي بإثارة القضيَّة، وسَرْد مشكل النَّفس الأَمَّارة، والتحذير مِن مغبتها وغوايتها، ولا يجعل مُجَرد البكاء سبيلاً إلى الانْعِتاق من قبضتها، كما هو حال البَكَّائين المتندمينَ، الذين لا يملكون إلاَّ النَّحيب والعويل، بعيدًا عن بَوَارق الأمل التي أرساها الدِّين، وكُواتِ التفاؤل المبثوثة في جوانب هذا الكون.

وينبهنا الشاعر إلى إحدى هذه البوارق، التي تُهَدِّئ من أوار هذه النفس، وتردع شرارتها، وتفتح أمامها إشراقة السعادة، إنها التوبة، يقول:
إِنِّي  لَأَرْدَعُ   نَفْسِي   عَنْ   غَوَايَتِهَا        لَكِنَّهَا   انْفَلَتَتْ   تَعْدُو   بِلاَ   لُجَمِ
فَكَيْفَ  لِي  أَنْ  أَرُدَّ   النَّفْسَ   تَائِبَةً        عَنِ  المَعَاصِي  وَعَنْ  آثَامِهَا   العُظُمِ
أَعُوذُ بِاللهِ مِنْ  نَفْسٍ  إِذَا  انْغَمَسَتْ        وَأُغْرِيَتْ    بِدَلِيعِ    الشَّرِّ    وَالأَثَمِ
فِي  كُلِّ   يَوْمٍ   أَرَى   مَيْتًا   أُشَيِّعُهُ        مِنْ مَوْتِهِ اتَّعِظِي  مِنْ  حَتْفِهِ  انْتَهِمِي
إِنِّي    رَأَيْتُ    المَنَايَا    غَيْرَ    نَائِيَةٍ        إِنَّ  المَنِيَّةَ   تَحْيَا   مِنْكِ   عَنْ   كَثَمِ
يَا نَفْسُ  تُوبِي  فَإِنَّ  المَوْتَ  مُرْتَقَبٌ        إِنْ يَأْتِ غَيْرَ  رَحِيمِ  القَلْبِ  يَخْتَرِمِ
فِي  كُلِّ  يَوْمٍ  تَرِينَ  المَوْتَ   مُغْتَلِتًا        يَطُوفُ  مُقْتَرِبًا  مِنْ  كُلِّ  ذِي  نَسَمِ
تُوبِي فَمَا بَعْدَ هَذَا  الشَّيْبِ  مَبْصَرَةٌ        تَذُوذُ عَنْكِ بِمَا يُعْفِيكِ مِنْ نَدَمِ
[91]
 
والحق أنَّ قضية نوازع النَّفس، تجوب الدِّيوان بِرُمته، لا تخلو منها قصيدة واحدة، وكأن الشاعر دلف إلى معارضاته، واختص منها هذا النَّوع الرُّوحي العاطفي بخاصة؛ تسليةً له عن أحزانه، وإحساسًا بِتَقْصيره، فيرجع باللاَّئمة على نفسه الجانحة، التي يراها - عند عدم كَبْحها - مصدر الشُّرور، وطريق الآثام، ففي المنفرجة يقول:
يَا    نَفْسُ    إِلَى    اللهِ    رَاضِيَة        ارْجِعِي وَمِنَ  الظُّلُمَاتِ  اخْرُجِي
إِنَّ  مَن  لاَ   يَرَى   بِالعَقْلِ   فَمَا        سَيْرُه      إِلاَّ      سَيْرٌ      مُدَّلَّجِ
إِنْ   لَمْ   تَرْجِعِي    فَبَرِيءٌ    أَنَا        مِنْكِ يَوْمَ الوُقُوفِ بِلاَ سُرُجِ[92
]
 
ويقول:
ارْجِعِي يَا نَفْسُ ارْجِعِي قَبْلَ أَنْ  أَثْ        وِي  وَمَا  لِي  عَلَى   النُّشُورِ   وَلاَءُ
ارْجِعِي   لاَ   أبْكِي   عَلَيْكِ   وُرَيقًا        يَبِسَتْ     غَالها     الزَّمَان     العِيَاءُ
لَكِ  يَا  نَفْسُ   فِي   الوُجُودِ   دَلِيلٌ        فَارْجِعِي قَبْلَ أَنْ يَحُولَ القَضَاءُ
[93]
 
وفي الهمزيَّة التَّصريح بهذا الصِّراع، يقول:
يَا  رَفِيقِي  مَا  فِي  البَسِيطَةِ  مَا   يَرْ        تَاحُ    قَلْبٌ    لَهُ     وَلاَ     حَوْبَاءُ
بَيْنَ   نَفْسِي   وَبَيْنَ   ذَاتِي   صِرَاعٌ        بَيْنَ   عَقْلِي   وَبَيْنَ    قَلْبِي    جَفَاءُ
شَغَلَتْنِي  نَفْسِي   وَيَا   وَيْحَ   نَفْسِي        حِينَ تَدْعُوهَا السَّاعَةُ السَّوْعَاءُ[94]

 
وفي السينية يُقَرِّر حقيقة اطمئنان النفوس بالدِّين، الذي لا سبيل إلى الخلاص والنُّصرة إلاَّ به:
إِنَّمَا    الدِّينُ     لِلنُّفُوسِ     شِفَاءُ        لاَ تُصَابُ النُّفُوسُ مِنْهُ بِنُكْسِ[95]
 
وهكذا أينما يَمَّمْتَ وجهك في قصائد الدِّيوان، أحْسَسْتَ انشغال الشاعر بِتَهْذيب النفس، وتسكين لَوْعتها، وضبط شَطَطها، وتخفيف لومها وزرايتها، ولقد صدق حين قال: "إن القصيدة التي لا تحفل بِلَوَاعج النفس، وبوح القلب، وعصارة الفكر، ليست إلا هذيانًا"[96].

ويمكن أن نحصرَ أهم خصائص التَّنازُع النفسي عند الشَّاعر في النِّقاط الآتية:
1- الصِّدق في التَّعبير، فهو نقل صادِق للإحساس تجاه النَّفس، وتجاه الزَّوجة، لا يكنفه الْتِباس، ولا يعتريه الْتِفاف، إنَّه الاعتراف بالتَّقصير، والشَّجاعةُ في مُواجهة هذه النفس الظّلومة، حتى لا ترتكس في وهدة المَلَذَّات، وتَتَمَرَّغ في حَمأة الشهوات، ثم إنَّها شجاعة في مُواجهة موقف أشدّ الناس قرابة، حين يَتَعارض مع لَذَّة العِبادة، ونشوة الطَّاعة، وامتلاء النَّفس العقدي والفِكري.

2- إذا كان التنازع النفسي والعاطفي ضربًا منَ الانفعال، الذي قد يجمح بِصَاحبه نحو المبالَغة في التعبير، والتجاوز في الوصف، فإنَّ الوعي كان سمةً بارزة عند شاعرنا، وهو يُوَاجِه هذه المواقف الدَّقيقة، واللحظات العصيبة، محكِّمًا في ذلك دور العقل في توجيه الفن وجهته السَّليمة، حتى لا يستبد بصاحبه، فيستحيل ضربًا منَ الشطحات، ولونًا منَ الاشتطاط.

3- الاعتماد على الحوار الفني لونًا من ألوان تجسيد المعاني، فقوله: "إنِّي لأردع نفسي"، متضمن للمُوَاجهة الثنائية بين الشاعر والنَّفس، فهي تأمر بالفعل، وهو يردعها، ويخاطبها بالكفاف عن الأمر بالسوء "ارجعي.. اخرجي.. توبي..."، وهو حين يخاطب زوجته بقوله: "كفي عنِ اللوم.. دعي الكلام.. فقصري..." نفهم أنه رد على محاولتها إقعادَه عنِ الرحلة، واستماتتِها في نكوصه وتراجعه، وبعد الإقناع لم تملك إلاَّ الرضوخ والانصياع، متبلغًا لهذا المعنى بأفعال تطوي مرارة المواجهة: "فكفكفت دمعها.. أرسلت آهة حرى مكسرة.."، كل ذلك في مشاهد منَ التصوير الفني بديع.

4- الوظيفة الاجتماعيَّة:
ليس صحيحًا أن للشاعر عالمه الخاص الذي يركن إليه، ويصدر عنه، يدور في فَلَكه، فلا يكاد يخرج عن ذاته، إن الشاعر جزء منَ المجتمع؛ بل هو أعظم من ذلك، إنَّه المُتَفَقِّد لآمال الأمة وآلامها، المسهم في معالجة قضاياها، والمشاركةِ في إيجاد الحُلُول لها، والأدب في نهاية المطاف ليس إلاَّ "تعبيرًا عن المجتمع"[97]، لا ليعكسه - فقط - ويعيد تقديمه، وإنما لتتدخل موهبته في تحريك الصورة، وجعلها أكثر ديناميًّة وتأثيرًا، فيضفيَ عليها اقتناعاته، ورؤيته، وفهمه هو، كما تلقاها منَ الوَحْيين، فيخدم بذلك التَّصَوُّر الإسلامي لأحوال الناس وقضاياهم، ويقترح الصِّياغات المناسبة للبدائل المرجوة، ولا نطلب - بذلك - منَ الشاعر أن يستحيلَ إلى رجل سياسة أو اقتصاد، يُنَظِّر ويحلل، ويطرح النِّسب المئويَّة، بل نريده أن يعيش هموم الأمة وطموحاتها، فيسهم في التفكير فيها بأسلوبه المتميز، وفَنِّيته المُؤَثرة.

وهذا أحد أعظم الأسباب، التي تجعل بعض المذاهب الأدبية يَعْتقلها التَّوَجُّه العام للبلاد، أو لنَقُل: لسياسة البلاد، حتى لا تغرد خارج السِّرب، ففي "الواقعية الاشتراكيَّة"[98] مثلاً نجد "مايا كوفسكي" يجعل الشَّرط الأساس لِنِتاج الشعر أن تظهرَ فيه مسألة مِن مسائل المجتمع[99].

غير أنَّ الذي حادَ بِهَذه النَّظريَّة عنِ الصواب، كونُها الْتَصَقَتْ بِسِياسة الحزب الحاكم، وزجَّ بها في خدمة مبادئه لا تحيد عنها، وكان مِن نتائج المؤتمرات التي عقدت - رسميًّا لذلك - أن يكونَ واجب الكاتب والأديب، تقديمَ تَصَوُّر ملموسٍ للواقع، في تطوره الثَّوري، بِعَقْلية حِزْبيَّة ضَيِّقة، فذابتْ شخصية الشاعر في المجتمع؛ لينقلب مدافعًا عن واقع، أكثر منه باحثًا عن حلول، معالجًا لقضايا، فكانت الصُّورة التي تخلو مِن مصنع يَتَصاعد دخانه، أو مدخنة أو جرار، صورةً تهربيَّة غير واقعية.

جاء ديوان "على النهج" ملبيًا لِرَغبة القارئ، الذي تهمه ظواهر مجتمعه وقضاياه، ونقتصر على التَّعريج على ظاهرتين، كانتا بارزتين في الدِّيوان:
- ظاهرة الفقر:
اقتضتِ الحكمة الإلهية أن يرفعَ الحرج في أداء الحج عن الذي لا يستطيعه، بأيِّ سببٍ منَ الأسباب المقعدة، وعلى رأسها عدم الاستطاعة المادية، ولَطَالَما ذرف الدموعَ الفقراءُ، المتشوقون إلى زيارة الأراضي المقدسة، تهوي أفئدتهم إليها، وتهفو أنفسهم إلى التملي بها، وتتشوف العيون إلى الرنو إليها، وكم هَزَّهم الشوق إلى زيارة قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - وشامتْ مخايلهم تفقد مواقع أحداث الإسلام العظام، فيرجعون إلى التسليم بالقدر، ويسلون أنفسهم بِضِيق ذات اليد.

لِنَسْتمع للشاعر، وقلبه يذوب شوقًا لتلك البقاع المطهرة:
وَكُلَّمَا    ذَرَّ    مِن    شَمْسِ     الشُّرُوقِ     عَلَى        رَبْعِي    سَنًى    شَبَّ     فِي     جَنْبَيَّ     شُعْلُولُ
مَن       لِي       بِوَاسِطَةٍ       تَقْضِي       لبانتهَا        رُوحِي وَيَشْفِي الحَشَا مَسْحٌ وَتَقْبِيلُ[100]؟[101]
 
إنَّه الفقر الذي إذا ما اجتمع والشوق، تُرُخِّص للنَّفس أن تتلمَّسَ "الواسطة" التي أصبحت عاملاً خارجيًّا لإخماد نار هذه النفس المتوثبة، ولَهِيب هذه الضُّغوط المستعرة.

وفي انتظار هذه "الواسطة"، لا يملك الشاعر الشجي إلا أن يعلنَ عن شَكْواه من قِلَّة ذات يده، ويبث أشجانه من ضعف مُكنته، كَسَائر الملايين، ممن أعوزتهم الحيلة، وتَقَطَّعَتْ بهم الوسيلة:
مَا لِي وَهَذِي يَدِي مَا تَحْتَهَا وَرِقٌ        وَالفَقْرُ عِنْدِي وَعِنْدَ النَّاسِ  مَرْذُولُ
المَرْءُ  فِي  هَذِه  الدُّنْيا  بِلاَ  عَرَضٍ        كَأَنَّه يَا ضُيُوفَ اللهِ مَشْلُولُ[102]
 
والشَّاعر لا يذم الفَقْر لِذَاته، فقد يكون الفقير الصَّابر خيرًا منَ الغَنِيّ اللاَّهي، والمال إذا لم يحصنْ بأعمال الخير، كالزَّكاة، والصَّدَقة، والكَرَم، وتوخِّي حَلاله في الكَسْب، والسلامة في الإنفاق، كان وَبَالاً على صاحبه، وإنما ذَمَّ الفقرَ باعتبار وضعية الفقير في زمان الخطاب؛ ولذلك استعمل عبارة "عندي وعند الناس"، وهو تقييد ضروري لِتَفَادي الاتِّساع في التأصيل للظاهرة، ثم هو فقر في سِياق طلب الرِّحلة إلى الحج، التي تَتَطَلَّب مالاً زائدًا عنِ الحاجة، وإلاَّ فقد يكون المرء غنيًّا في أمر نفسه، مكتفيًا في حاجياته؛ ولكن لا يستطيع الحج، ولذلِكَ خَاطَب بهذا الأمر "ضيوف الله"، وهو كنايةٌ عن حُجَّاج بيت الله الحرام، وحينما يرجو اليسر والغنى، فهو يرجو ما يبلغه البيت المشرف.
هَلْ   يُسْعِفُ   القَدَر   المَيْمُون   طَائِرُهُ        أَنْ أَغْتَذِي وَنِطَاق اليُسْرِ مَحْلُولُ[103]
 

- ظاهرة المرض:
قد يعجب القارئ كيف يستطيع شاعرٌ أن ينقل بعض المصطلحات العلمية المدنيَّة، كـ"السكري" و"التحاليل"، من وضعها العلمي الجاف المتخشب، إلى كلمات شاعرية في سياق قصيدة، تنطق بسبحات الخيال الشعري، وتتلفع بثياب العاطفة المتأججة، وتتسربل بالتَّعابير الرَّقيقة، ووصف الأحاسيس الجَيَّاشة، ذلك ما استطاعه "إسماعيل زويريق"، وهو يَتَحَدَّث عن ظاهرة المرض التي غَزَت أجساد الناس، وبخاصَّة من تقدم بهم العمر، حتى أصبح هاجسًا يُنَغِّص عليهم حياتهم، وشبحًا يُطَاردهم في كل زمان ومكان، لِنَتَأَمَّل كيف صار المرض معادلاً موضوعيًّا لِمُعَاناة داخلية، تجد امتداداتها في العلاقة بالمرأة الزوجة، والعلاقة بالمجتمع، يقول:
إِنِّي كَظِيظٌ[104]  فِدَاءُ  السُّكَّرِيِّ  عَلَى        بَابِي (جَثُومٌ)[105] وَطَعْمُ العَيْشِ مَمْلُولُ
الدَّاءُ   أَنْشَبَ   فِي    جِسْمِي    مَخَالِبَهُ        وَالمَوْتُ  سَهْمٌ  عَرِيضُ   النَّصْلِ   مَعْدُولُ
جَفَّ  الوَرِيقُ  وَأَضْحَتْ  بِي  عَلَى  سَفَرٍ        رِيحُ   الخَرِيفِ   وَغَالَتْ   مَرْكَبِي   غُولُ
قَدْ   أَنْهَكَتْنِي   صُرُوفُ   الدَّهْرِ   طَارِقَةً        أَمَّا  حِسَابِي  فَمَا  أَبْقَتْ  تَحَالِيلُ[106]
إنَّ المرض هنا حَوَّلَ حياة الشاعر إلى عَيْشٍ رَتِيب مَمْلول، وذلك حين يملك الداء على صاحبة فكره، ويستحوذ على لُبِّه، وبخاصَّة مرض العصر (السكري)، الذي قام على باب الشاعر لا يبرحه، ولا يَتَزَحْزح عنه، وهو أشبه بِحَيوان مُفترس، أنشب مَخَالبه في جِسْمه، وقد بَلَغ حسابه رقمًا قربه من الموت، وحول ربيعه إلى خريفٍ، جفت فيه الأوراق، وأوشكت على التَّساقُط.

غير أنَّ الشاعر لم يقفْ عند ظاهرة المَرَض وقفة سلبية تشاؤميَّة، على الرغم من تأثيرها القويّ عليه، بل جعله مطيَّة لتذكُّر الموت، لينقلبَ الإحساس به إلى إحساس إيجابيٍّ، يوقظ الرُّوح، ويرفع مِن وَتِيرة تعلقها بالخالق، وهل المرض في الإسلام إلاَّ نعمة لِمَن صبر واحتسب؟ وإن لم يكن مِن فوائده إلا معرفة حقيقة العافية، واللجوء إلى الله بِسُؤالها في كل حين لَكَفى، وهو ما فطن إليه في الهمزية حين قال:
يَسْعَدُ   المَرْءُ   بِالحَيَاةِ   إِذَا    لَمْ        تَتَبَسَّطْ فِي جِسْمِهِ الأَدْوَاءُ[107]
 
ومنَ الإحساس الإيجابي بالمرض عند الشاعر، تسخيره له، ليضع له الموانع دون التَّعلق بالنساء، والافتتان بهن، وليخلص الفكر بسيد البرية، وأشرف الخلائق:
فَكَيْفَ  يَفْتِنُكِ  المُنْحَثُ  مِنْ  شِعْرِي        وَيَسْتَمِيلُكَ هَمُّ الجِسْمِ مَنْحُولُ[108]
إلى أن قال:
فَقَصِّرِي  لاَ  أَرَاكِ  اليومَ   مُدْرِكَةً        مَهْمَا فَعَلْتِ  لِأَنِّي  عَنْكِ  مَشْغُولُ
إِنَّ  الذِي  عَنْكِ  شَدَّتْنِي  شَمَائِلُهُ        مُكَرَّمٌ بِذُرَى العَلْيَاءِ مَنْزُولُ[109]
هكذا نجد ديوان "على النَّهج" يمدنا بالنصوص الحية الغزيرة، ويسعفنا بالشواهد المُتَعددة، على أهم القضايا التي تعالِج حياة الإنسان، في رِفْعتها وإشراقها، وفي حاجاتها ونزعاتها، أمَّا الجانب الفَنِّي في الديوان، فذلك ما يحتاج إلى عودة مُفَصلة، يَسَّر الله سبيلها، ووَفَّق إلى مهيعها.
 

 1- ينظر: "الفن ومذاهبه في الشعر العربي"، د. شوقي ضيف، ص: 142.
[2]    - ينظر: "العمدة"، ج1، ص: 197، ومنَ القُدَامى أنفسهم مَن بَيَّنَ خطأ هذا التَّوَجُّه، كالقاضي الجُرْجاني، وابن رَشِيق، وابن قُتَيْبة، الذي جعل هذا المعيار مِن شأن العَوَام، الذين يَرَوْن "تعظيم المُتَقَدِّم، وغفران زلته، وبَخْس المُتَأَخِّر، والتَّجَنِّي عليه، والعاقل مَن ينظُر بِعَين العدل لا بِعَيْن الرضا، ويَزِن الأمور بالقِسْطاس المستقيم"، "عيون الأخبار"، ج1، ص: ع.
[3]     - نفسه، ص: 208. 
[4]     - يُنْظَر: "دراسات في نَقْد الأدب العربي"، د/ بدوي طبانة، ص: 39. 
[5]     - ديوان البُوصيري، ص: 192.
[6]    - "منهاج البُلَغاء وسِرَاج الأدب"، حازم القَرْطَاجَنِّي، ص: 26.
[7]     - "طَبَقات الشُّعراء"، ص: 49. 
[8]     - "العُمْدة" ج2، ص: 733. 
[9]     - "العمدة"، ج1، ص: 204.
[10]     - نفسه، ص: 170.
[11]     - حديث شريف، رواه الدَّارقطني في سننه، كتاب: الوصايا، باب: خبر الواحد، الحديث الثاني، وهو حديث حَسَن، انظر "مشكاة المصابيح"، كتاب: الأدب، باب: السلام، رقم: 4807.  
[12]    - "نقد الشعر"، ص: 68.
[13]    - يُنْظَر: "الخَطِيئة والتَّكفير"، ص: 10. 
[14]    - "شعر الطليعة في المغرب"، د/ عزيز الحسين، ص: 8. 
[15]    - "زمن الشعر"، أدونيس، ص: 105. 
[16]    - ينظر: "مقدمة للشعر العربي" أدونيس، ص 50 و129. 
[17]    - نفسه، ص: 25. 
[18]    - نفسه، ص: 131.
[19]    - "زمن الشعر"، ص: 47. 
[20]    - نفسه، ص: 47. 
[21]    - " الثابت والمتحول" ج1، ص: 216 .
[22]    - "نزعة ظَهَرَتْ في فرنسا، خاصَّة في أوائل القرن التاسع عشر، كانتْ روحها العامَّة الدِّفاع عنِ الشر، وتمجيد الشَّيطان، لما نسب إليه من شجاعة وكبرياء عند مُواجهته للسُّلطة الإلهيَّة، فأصبح ينظر إليه بِوَصفه شبه زعيم ثوري بطولي"، ينظر: "معجم المصطلحات العربيَّة في اللُّغة والأدب"، مجدي وهبة، وكامل المهندس، ص: 120 (بِتَصرف يسير).
[23]     - "زمن الشعر"، ص: 240 .
[24]    - "مسائل فلسفة الفَن المُعاصرة"، ترجمة د/ سامي الدروبي، ص: 20. 
[25]    - "جريدة المسلمون"، ع: 279/ 14 يونيو 1990م. 
[26]    - جمع مِقنَب، وهو جماعة الفرسان، اللسان: (قَنَبَ). 
[27]    - صدر الجزء الأول منه عام 1425 هـ/ 2004 م عن دار وليلي، ثم الجزء الثاني عام 1427 هـ/ 2006م، عن الدار نفسها.
[28]    - "مُقَدِّمة على النَّهج"، ج 2،     ص: 5. 
[29]    - نفسه. 
[30]     - "مقدمة على النهج"، الجزء: 2، ص: 6/ 7. 
[31]    - الوفز: العجلة، اللسان: (وفز). 
[32]    - النزور: قليل الكلام، اللسان، (نزر).
[33]    - على النهج، ج 2، ص: 100.
[34]    - على النهج، ج1، ص: 53. 
[35]    - نفسه، ص: 55.
[36]    - نفسه، ص: 64. 
[37]    - نفسه، ص: 74/75.
[38]    - 100 شاعرة من المغرب، ص: 18.
[39]    - 100 شاعرة من المغرب، ص: 18.
[40]    - نفسه، ص: 10. 
[41]    - صحيح مسلم: كتاب فضائل الصحابة، رقم الحديث: 2490. 
[42]    - الأدب الديني، دراسة أدبية عن القرآن والحديث، د. زكي المحاسني، ص: 4. 
[43]    - " على النهج"، ج2، ص: 8. 
[44]    - "ديوان على النهج"، الدالية في الرَّد على مَن أساء إلى الرسول بِرُسوماته الكاريكاتورية، ج2، ص: 97. 
[45]    - مثل يضرب للتَّهوين من الشيء وتحقيره، وتَبالة: بلدة صغيرة من بلدان اليمن، وكانت أول عمل وليه الحجاج، فسار إليها، فلما قرب منها، قال للدليل: أين هي؟ قال: سترتها عنك هذه الأكمة، فقال: أَهون علي بعمل بلدة تسترها عني أكمة، ورجع من مكانه، فقالت العرب: "أهونُ من تبالة على الحجاج"، ينظر: "مجمع الأمثال" للروداني رقم: 4628 . 
[46]    - "على النهج" ج2، ص: 99/100. 
[47]     - نفسه، ص: 103.
[48]    - نفسه، ص: 100.
[49]    - "على النهج" ج2، ص: 102/103.
-[50]     نقلا عن كتاب: "مدخل إلى الأدب الإسلامي"، ص: 83.  
[51]    - "على النهج" ج2، ص: 103.
[52]    - نفسه، ص: 101.
[53]    - نفسه، ص: 101. 
[54]    -  البقرة: 285. 
[55]    - "على النَّهج" ج2، ص: 103.
[56]    - نفسه، ص: 104. 
[57]    - آل عمران: 85. 
[58]    - "على النهج" ج1، ص: 24. 
[59]    - نفسه، ج2، ص: 52. 
[60]    - نفسه، ج1، ص: 35. 
[61]    - نفسه، ج 2، ص: 54. 
[62]    - نفسه، ج1، ص: 50. والسدم: الهم، "القاموس المحيط": "سدم". 
[63]    - نفسه، ص: 47. 
[64]    - نفسه، ص: 64.
[65]    - ديوان: صرخة في واد، ص: 81. 
[66]    - على النهج، ج1، ص: 96/97.
[67]    - "على النهج"، ج1، ص: 105.
[68]    - النساء: 89. 
[69]    - ذهب دمه طليفًا: هدَرًا وباطلاً، "لسان العرب": (طلف). 
[70]    - "على النهج"، ج1، ص: 106.
[71]    - استهج: استعجل، "القاموس المحيط": (هجج). 
[72]    - البوغاء: طاشة الناس وحمقاهم، "القاموس المحيط": (بوغ). 
[73]    - الوحى: النار، "القاموس المحيط": (وحى).  
[74]    - "على النهج"، ج1، ص: 106. 
[75]    - نفسه.
[76]    - مدخل إلى نظرية الأدب الإسلامي، عماد الدين خليل، ص: 178. 
77    - على النهج، ج1، ص: 179.
[78]     - نفسه، ص: 20. 
[79]    - نفسه، ج1، ص: 15.
[80]    - اكتهيتُ: أجللت وأعظمت، "اللسان": (كها). 
[81]    - حَدَمُ النار: شدة احتراقها وحميها، "القاموس المحيط": (حدم). 
[82]    - على النهج، ج1، ص: 33/ 34.
[83]    - الشجم: الهلاك، "القاموس المحيط": (شجم).  
[84]    - على النهج، ج1، ص: 31/32.
[85]    - "مقدمة في دراسة الأدب الإسلامي"، د: مصطفى عُليان، ص: 35. 
[86]    - على النهج، ج1، ص: 19.
[87]    - شعر النابغة الجعدي، ط. المكتب الإسلامي/ ص: 194.
[88]    - على النهج، ج2، ص: 32.
[89]     - ينظر أمثلة من ذلك في "العمدة" لابن رشيق، باب مِن منافع الشعر ومضاره، ج1، ص: 162 إلى 172.
[90]    - على النهج، ج1، ص: 60. 
[91]    - نفسه، ص: 49/50. 
[92]    - نفسه، ص: 61.
[93]    - نفسه، ص: 69.
[94]    - على النهج، ج1، ص: 70/71. 
[95]    - نفسه، ص: 73.
[96]    - 100 شاعرة من المغرب، ص: 18. 
[97]    - كلمة لـ: دي بونا، نقلاً عن: "الأدب وفنونه"، د. عز الدين إسماعيل، ص: 43. 
[98]    - جاء في "معجم المصطلحات العربية": "ورد تعريف هذه النَّظَريَّة - رسميًّا - في إحدى مواد دستور اتحاد كتاب السوفيت، الذي وضعه أول مؤتمر عام لهذا الاتِّحاد سنة 1934، ونص المادة هو: "إنَّ الواقعيَّة الاشتراكيَّة، هي المنهج الأساسي للأدب والنقد الأدبي السوفيتين، وهي تتطلب منَ الفَنَّان أو الأديب، تمثيله الواقع في حالة نموه الثوري تمثيلاً صادقًا، وعلى هذا؛ فإن صدق التمثيل الفني للواقع، يجب أن يرتبطَ بِنَوْعيَّة العمال، ويدعم إيمانهم بروح الاشتراكية"، ص: 429. 
[99]    - ينظر "النقد الأدبي الحديث"، د/ غنيمي هلال، ص: 485 - 486. 
[100]    - كناية على شدة التَّعَلُّق، وبرهانًا على المحبة العظيمة، وإلا فالتمسح بالقبر، وتقبيل ترابه أو جوانبه، لم يدل على جوازه دليل شرعي. 
[101]    - على النهج، ج1، ص: 20. 
[102]    - نفسه. 
[103]    - نفسه، ص: 21.
[104]    - الكظيظ: الذي تبهضه الأمور حتى يعجز عنها، اللسان (كظظ).
[105]    - هذه الكلمة ساقطة، ولَعَلَّها حُذِفت عند الطَّبع، أضفتها حتى يستقيم المعنى والوزن.
[106]    - على النهج، ج1، ص: 18 .  
[107]    - نفسه، ج2، ص: 56.
[108]    - نفسه، ج1، ص: 18.
[109]    - نفسه، ص: 19.

 





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الرؤية الإسلامية في ديوان (في زورقي) للشاعر عبدالله بن إدريس
  • كفكفة لـ "دموع الرجال"
  • نظرية قواعد "جويار" حول نبر الشعر ومناقشتها
  • من فضائل الأشعريين

مختارات من الشبكة

  • كلمة (رسالة أو الرسالة) - تأملات(مقالة - حضارة الكلمة)
  • رسالة إلى أختي المسلمة(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • إحكام الدلالة لأحكام الرسالة: أدلة مسائل رسالة ابن أبي زيد القيرواني في فقه الإمام مالك (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • رسائل إلى المواهب الصاعدة: رسالة إلى حنان(مقالة - حضارة الكلمة)
  • أربع رسائل في الاجتهاد والتجديد للإمام السيوطي(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • مجموع الرسائل لابن القيم ( رسالة ابن القيم إلى أحد إخوانه ) (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • مجموع الرسائل لابن القيم ( الرسالة التبوكية ) (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة الرسالة السينية والرسالة الشينية(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • رسالة قديمة من دفتر الرسائل(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مخطوطة مجموع فيه ثلاث رسائل أولها رسالة في الرسم(مخطوط - مكتبة الألوكة)

 


تعليقات الزوار
2- والشعر إن لم يكن ذكرى وموعظةً ..........
أبو عبد الله السعيد بن أحمد وعزوز - المغرب -مراكش المعطار- 10-01-2009 01:06 AM
بسم الله الرحمن لارحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بارك الله فيكم على تحقيقاتكم الجليلة التي تفيد الباحث.
1- جزاكم الله خيرا
حسام الحفناوي - مصر 06-09-2008 11:35 PM
ما شاء الله لا قوة إلا بالله، نفس رائق، وقلم سيال، نفع الله بكم، وأكثر في الأدباء من أمثالكم.
1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 13/11/1446هـ - الساعة: 23:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب